عدت للقدس في نيسان الماضي، لأسترجع التاريخ ومشاعر الألفة والحنين ورائحة القدس العتيقة التي لم تمح من الأنف والقلب والذاكرة مهما غاب الإنسان عن مكان له طعم خاص. من منا أهل القدس وفلسطين لا يتذكر المراجيح التي كان الأطفال «يطيرون «عليها في رحاب المسجد الاقصى أيام العيد، وكأنها تأخذهم للسماء وتعود بهم لأكل «حلاوة العيد «على الأرض. كانت هذه تجربتي الطفولية حيث الناس القادمين من جميع المدن والقرى الفلسطينية ومنهم أهل لفتا المعانقة لسور القدس الذين كانوا يصلون في المسجد الأقصى لقربه منه ولخصوصيته الدينية والروحية.
ولجت من باب العمود الى القدس العتيقة، مخترقة أسوارها التي ذكرتني بدروس التاريخ في الصفوف الأولى ونحن نردد وراء المعلمة، وصف قديم لسور بيت المقدس بانه، « سور متين مشيّد قويّ الأركان عظيم البنيان، يحيط بالبلاد كلها وهدها وسهلها، مشيّد بالحجر المنحوت، وفي داخله جميع الاماكن والبيوت «. عادت ذاكرة درس التاريخ، وتذكرت، بقية الأبواب)باب الساهرة، باب المغاربة، باب الأسباط، باب الخليل، باب داود، الباب الجديد). وكما هو معروف هناك أبواب أربعة أخرى مسدودة وكأنها سدت لتحمي الحرم الشريف الملاصق للسور الجنوبي خوفاً من الغزاة.وقبل فتح باب الجديد وباب الخليل كان الإغلاق عائقا أمام التواصل والتمدد للخارج لكي تتوسع المدينة خارج الأسوار زمن الانتداب البريطاني وقد ربطت القرى المحيطة بالقدس العتيقة والتي كانت مفصولة عنها.وتعد هذه القرى والبلدات في التاريخ الحديث حوالي 70 قرية، وتشمل الأقضية جميعها شمالا وغربا وشرقاً، ولتعرف بأكناف القدس. كانت أبواب القدس تغلق عند الغروب، خوفاً من الطامعين بها. وخوفاً على الحرم الشريف.
اسرائيل اليوم وهي تمارس الاستعمار الجديد والاحتلال، ومحاولة تهويد القدس، بعد ادعاءاتها وخرافاتها، لتكون الخطر الأكبر على المسجد الأقصي، وقد خططت للاستيلاء عليه وهدمه وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه. خطتها وأحلامها مستمرة وقد احتلت البلدة القديمة وتحاول تفريغ المدينة من أهلها، وقامت بتطبيق ذلك باسكان المستوطنين فيها.
في مدينة القدس «زهرة المدائن» ما زالت صلوات المسلمين والمسيحيين تتعانق فيها. في القدس أزقة وعقبات، وأسواق، ومقاه، ومدارس وحمامات، وأضرحة وتكايا، ومساكن عربية مايزال الناس يسكنونها، وخطوط ومساجد وجوامع، تأخذك للمسجد الاقصى الذي بني في عهد الخليفة الاموي عبد الملك بن مروان، سنة 705م، وكنيسة القيامة.وكأنني أسمع صوت فيروز اليوم يرتفع وهي تصدح، وتقول للقدس «....عيوننا اليك ترحل كل يوم/ تدور في أروقة المعابد/ تعانق الكنائس القديمة،/ وتمسح الحزن عن المساجد..».
الشهداء الذين يسقطون اليوم من أجل القدس وفلسطين يسطرون بدمائهم ملاحم بطولية وهم يتحدون قوات الاحتلال الوحشي ودموع الامهات تصرخ :اسرائيل ماضية في تهويد ما تبقى من القدس. أثبتت» جمعة الغضب «أن إغلاق بوابات القدس بالنار والحديد، واستشهاد الشباب وجرح المئات، وتهريب جثمان الشهيد الغنام من مستشفى المقاصد ورفعه من على السور بدمائه النازفة خوفا علية من الجلاد، ما زاد المقاومة اشتعالا ً، لتصميمهم على حماية القدس وتحرير الاقصى من أبواب جهنم التي نصبتها إسرائيل على ابواب القدس العتيقة، لتضيق الخناق على المعابر للوصول للقدس والصلاة في الأقصى..
لقد كانت جمعة الغضب، شرارة جديدة نأمل أن توقظ الضمير العربي والإسلامي والعالمي، وتعمل على استمرار الشرفاء في مناصرة الشعب الفلسطيني واخذه حقوقه من أجل إنهاء الممارسات الاسرائيلية والضغط على الأمم المتحدة للقيام بوظيفتها. ولعل الأهم أن يقوم العرب بتوحيد الصفوف بينهم وهم اليوم ما يزالون عرضة لمزيد من الصراعات أو يقومون بالتطبيع واقامة العلاقات الديبلوماسية مع الكيان الاسرائيلي، المدعوم من أمريكا. هبة تحرير الأقصى لم تنته بعد، ونحن ننتظر، وعيوننا على أبواب القدس، واسرائيل للآن لم تتراجع عن فعلتها الشنيعة، بل تنصب على باب الاسباط اليوم الأبواب الالكترونية.ولعل صوت فيروز يسمع وهي تغني، « لن نقفل باب مدينتنا فأنا ذاهبة لأصلي/ سأدق على الأبواب، وسافتحها الأبواب/ وسيهزم وجه القوة/ البيت لنا والقدس لنا/ وبأيدينا سنعيد بهاء القدس، بأيدينا «. نحن بحاجة للعمل من أجل إبقاء أبواب القدس لنا..!
الاثنين 24 تموز (يوليو) 2017
على أبواب القدس العتيقة!
د. عايدة النجار
الاثنين 24 تموز (يوليو) 2017
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
16 /
2473041
ar أقلام wikipedia | OPML OPML
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.19 + AHUNTSIC
19 من الزوار الآن