] خلفيات التصعيد «الإسرائيلي» الكوري الشمالي - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الأحد 7 أيار (مايو) 2017

خلفيات التصعيد «الإسرائيلي» الكوري الشمالي

د. خليل حسين
الأحد 7 أيار (مايو) 2017

عندما يتعلق الأمر بملفات ذات طابع استراتيجي دولي، تلجأ الدول عادة إلى ربط بعض ملفاتها الحيوية بما يجري على الساحة الدولية، ذلك بصرف النظر عن نوعية وحجم وكم الاستفادة المباشرة منها. وفي هذا السياق، عادة ما تلجأ «إسرائيل» إلى ذلك الأسلوب في التعاطي مع البرامج النووية في غير دولة، ومنها بشكل أساسي البرنامج الإيراني؛ لكن اللافت إقحام «إسرائيل» نفسها في البرنامج الكوري، عبر تصريحات نارية، تشي برؤية «إسرائيلية» تتعدى البرنامج الصاروخي والنووي الكوري، إلى ربط هذا الأخير بخيارات متعلقة بكيفية المواجهة الأمريكية - الكورية الشمالية، امتداداً إلى الرؤية الأمريكية في التعاطي مع الملفين السوري والإيراني مؤخراً.
وعلى قاعدة التوتر عالي المنسوب الناشئ بين بيونج يانج وواشنطن مؤخراً، وما أفضى من نشر منظومة «ثاد» المضادة للصواريخ في كوريا الجنوبية، أطلق وزير الأمن «الإسرائيلي» أفيجدور ليبرمان، تصريحات غير مألوفة في التعامل «الإسرائيلي» مع الملف الكوري، حيث وصف تصرفات وسلوك الرئيس الكوري الشمالي بالحماقة، ما استدعى رداً كورياً شمالياً غير مسبوق أيضاً، عبر التهديد بضربات «موجعة وبلا رحمة». فما هي خلفيات الإقحام «الإسرائيلي» وما هي تداعياتها الإقليمية؟ وما هي الرسائل المفترضة؟
في المبدأ، وإن كانت الجغرافيا السياسية لكلا البلدين، لا رابط بينها عملياً، إلّا أن الرابط الجيوسياسي الإقليمي بين ملفاتها، يعطي انطباعاً أكيداً بالاهتمام «الإسرائيلي» لجهة التركيز على تحريض واشنطن وتوجيه سياساتها التشددية تجاه العديد من الملفات ذات الصلة، وفي غير موقع في الشرق الأوسط، بهدف ضمان الاستفادة «الإسرائيلية» القصوى من ذلك.
إن مستوى الاستفادة الذي تنشده «إسرائيل» مرتبط بالدرجة الأولى بمستوى التشدد الأمريكي والأساليب المفترضة للتنفيذ، بهدف إظهار إدارة واشنطن بعض ملفات المنطقة، بأنها حاسمة ولا تأويل فيها، بخاصة أن ثمة صعوبة ما في قراءة مواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من بعض المسائل المتعلقة مثلاً بالفلسطينيين بخاصة اللقاء الأخير بين الرئيسين محمود عباس وترامب، علاوة على السلوك الأمريكي في التعاطي مع الأزمة السورية، خاصة مثلاً ما جرى من تفسيرات وتداعيات حول الضربة الأمريكية الصاروخية لمطار الشعيرات، إضافة إلى ما أسمته «إسرائيل» عدم الحزم الأمريكي في ملف برنامج إيران النووي. إذاً «إسرائيل» لها قراءتها الخاصة للكثير من الملفات التي تحاول الاستفادة منها، ولو بملفات هي بعيدة عنها آلاف الكيلومترات ومنها البرنامج الكوري الصاروخي، بخاصة أن ثمة إصراراً أمريكياً - «إسرائيلياً» على علاقة وثيقة بين البرنامجين الكوري الشمالي والإيراني، وإن اختلفت مقاربة كل منهما من حيث الشكل لا المضمون.
وأياً كانت مجريات التصعيد الحاصل في الملف الكوري الشمالي، فمن مصلحة «إسرائيل» أولاً وأخيراً، السعي بجدية لتوجيه السياسات الأمريكية وسلوكياتها باتجاه المزيد من التشدد؛ فمثلاً في الملف السوري، لم تكن «إسرائيل» راضية إلى حد التخمة عن مستوى الضربة الجوية الأمريكية مؤخراً لسوريا، إذ اعتبرتها غير كافية عملياً، بمعنى أنه ينبغي استتباعها بمزيد من الإجراءات، ومنها العسكرية، بهدف إظهار جدية إدارة ترامب في التعاطي مع ملفات المنطقة، وليس مجرد الاختلاف في إدارة الأزمات مع سلفه باراك أوباما. والأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل هدفه الأبعد والأكثر إلحاحاً هو انسحاب المواقف الأمريكية المتشددة على القضايا الإيرانية المتصلة ببرنامجها النووي، كما القضايا ذات الصلة بالأزمة السورية.
وببعد متصل أيضاً بما يجري، هناك تصريحات المرشح الأمريكي لشغل منصب سفير بلاده لدى بكين، وهو بالمناسبة مؤيد قوي ل «إسرائيل» في دوائر الدبلوماسية الأمريكية، الذي أعلن بصراحة ووضوح أن مهامه ستكون محددة في سياق الضغط على بكين لاستنزافها في الملف الكوري، ومنها فرض المزيد من العقوبات الدولية على بيونج يانج، وهو سياق متصل يمكن استعماله مع الجانب الإيراني.
وفي أي حال من الأحوال، ثمة من يشعر في «إسرائيل» وفي خارجها، بأنها مسكونة بالخوف والتوجس الإيراني والكوري والسوري، وهو ما يقلق «إسرائيل»، وهذا ما يفسر انتقالها إلى ضفاف بعيدة المدى، رغم أن ثمة اعتراضات داخلية «إسرائيلية» على تصريحات ليبرمان التي اعتبرت نوعاً من إقحام «إسرائيل» أنفها في ملف لا يعنيها مباشرة، إلّا أن التدقيق في باطن الأمور، يعزز القول بأن السعي «الإسرائيلي» الدائم للتدخل في أي أزمة دولية، نابع من القلق والخوف غير المبرر في كثير من الأحيان، في ظل إدارة أمريكية تعمل في السر والعلن على مواءمة سياساتها ومصالحها مع المصالح «الإسرائيلية» الحيوية، وهذا ما جرى مؤخراً في الملف الكوري والإيراني والسوري.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2285810

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

43 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 45

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010