] “كونسبسيون” ودروس مهمّة للأمّة في قضية فلسطين - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الجمعة 5 شباط (فبراير) 2016

“كونسبسيون” ودروس مهمّة للأمّة في قضية فلسطين

بقلم: سلطان بركاني *
الجمعة 5 شباط (فبراير) 2016

توفيت، أواخر شهر جانفي المنصرم، السيدة الأمريكيّة من أصول إسبانيّة “كونسبسيون توماس”، المعروفة باسم “كونسيلا”، عن عمر ناهز 85 عاما، قضت 35 سنة منها، منذ عام 1981م إلى حين وفاتها، وهي تعتصم يوميا في خيمتها الصّغيرة في شارع بنسيلفانيا 1600 أمام البيت الأبيض في العاصمة الأمريكيّة واشنطن، لتُعبّر عن مناهضتها السّياسات “الإسرائيليّة” ودعمها القضية الفلسطينيّة. وكانت حين تُسأل: إلى متى يستمرّ اعتصامك؟ تجيب قائلة: “سأبقى معتصمة أمام البيت الأبيض حتى يعود للفلسطينين حقّهم أو أموت هنا”.
ملأت السيّدة “كونسيبسيون” خيمتها بصور لجرائم الاحتلال الصّهيونيّ، وشعارات تعبّر عن نازية وفاشية “إسرائيل”، وكانت تردّد دائما: “إسرائيل محتلّة ويجب أن تذهب، نحن فلسطينيون، لأنّ إسرائيل إرهابيّة وهي سرطان العالم”. وتوصي الفلسطينيين قائلة: “لا تفقدوا الأمل، أنا هنا لأمثّلكم وأمثّل أطفالكم”، وكتبت على إحدى اللّوحات التي كانت ترفعها: “لا تصالحْ ولا تقتسم الطّعام مع من قتلوك”.

لقد رحلت “كونسبسيون” بعد أن قدّمت للبشريّة دروسا مهمّة في نصرة القضايا العادلة، ربّما يكون المسلمون من أحوج النّاس إلى الاستفادة منها.

كونسيلا التي أمضت 35 سنة كاملة تعتصم دون كلل أو ملل باللّيل والنّهار وفي كلّ الظّروف متحمّلة الأذى الذي كان يلحقها من بعض العنصريين، قدّمت درسا لحكّام العرب، الذين تخاذلوا عن نصرة فلسطين وعن إغاثة شعبها ونصرة قضيتها في المحافل الدّولية، ودأبوا على شدّ الرّحال إلى البيت الأبيض الأمريكيّ، ليس للتّنديد بالدّعم المتواصل وغير المشروط الذي يقدّمه سادة هذا البيت إلى الصّهاينة، وإنّما ليؤكّدوا لزومَهم بيت الطّاعة، وربّما ليستمرئ بعضهم التّواطؤ ضدّ القضية الفلسطينيّة، ويقدّموا تعهّداتهم بالسّعي إلى الحيلولة دون اشتعال انتفاضة جديدة تزعج دولة الاحتلال، وبإجهاض كلّ محاولة تهدف إلى رفع الحصار عن قطاع العزّة غزّة، مقابل سكوت المجتمع الدوليّ عن استئثار أولئك الحكّام بالسّلطة وقمعهم الوحشيّ لمعارضيهم.

كونسيلا التي لم يكن لها من دافع لنصرة القضية الفلسطينيّة غير الدّافع الإنسانيّ، قدّمت درسا آخر مهما للمتاجرين بهذه القضية المحوريّة، من أصحاب المشاريع الطائفية البغيضة، الذين يرون في قضية الإنسانيّة وقضية الأمّة الأولى سلعة يتاجرون بها لتحقيق مكاسب مذهبيّة ضيّقة، ومنفذا ينفذون من خلاله إلى استمالة القلوب والعقول، وتهيئتها لقبول العقائد والخيارات الشاذّة التي رفضتها أمّة الإسلام على مدار 14 قرنا من الزّمان.

بالتّزامن مع تداول نبإ وفاة “كونسيلا” في الأيام الماضية، تداولت مواقع التواصل الاجتماعيّ وبعض المواقع الأخباريّة تصريحات للدّكتور موسى أبي مرزوق، عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلاميّة “حماس”، خلال مكالمة هاتفية، يكشف فيها– بكلّ حرقة- الغطاء عن امتهان إيران حرفة المتاجرة بقضية فلسطين، وعن محاولاتها المتواصلة ابتزازَ قادة المقاومة الإسلامية وجرّهم إلى اتّخاذ مواقف تخدم المشروع الإيرانيّ، حيث أكّد أبو مرزوق أنّه منذ عام 2009م “لم يصل الفلسطينيين شيءٌ من إيران، وكلّ كلامهم كذب وهراء”، وتابع قائلا: “ما كان يصل أحبابنا ليس من قِبلهم (الإيرانيين)، جزء منه من طرف صديق، وأجزاءٌ بجهود شخصيّة، جمعناها وقدّمناها”. وأضاف: “يقولون (الإيرانيون) نحن مستعدون (للدّعم)، نقول لهم: تفضّلوا، فيقولون: نريد أولا أن تسعوا في تحسين علاقتنا بالسودان، وبالجهة الفلانية”. كما كشف أبو مرزوق الغطاء عن حقيقة السّفن التي كانت إيران تزعم إرسالها إلى قطاع غزّة، فقال: “من عام 2011م، كلّ سفينة تضيع منهم، يقولون إنّها كانت متوجّهة إليكم... فقلت لهم: ألا توجد سفينة تخطئ وتأتي إلينا؟! كلّ السّفن التي يتمّ وقفها تقولون إنها كانت قادمة إلينا؛ حرام عليكم! يا ليتكم تكونون مخلصين!”.

المدّة التي قضتها كونسيلا في اعتصامها أمام البيت الأبيض نصرةً للقضية الفلسطينية هي تقريبا المدّة نفسها التي قضتها إيران وهي تُظهر دعمها لقضية الأمّة الأولى، لكن شتان بين موقف كونسيلا التي لم تكن تطلب من الفلسطينيين جزاءً ولا شكورا، وبين إيران التي كانت تشترط الجزاء والشّكر، وتوقف دعمها كلّما رفضت حركات المقاومة الاصطفاف خلف مواقف طهران وخياراتها الإقليميّة، وموقفها من حركة حماس بعد الثّورة السّوريّة مثال لذلك.

كونسيلا كان همّها الأوّل الذي سخّرت له جلّ وقتها هو نصرة القضية الفلسطينيّة، لكنّ هذا الهمّ لم يحُل بينها وبين إبداء تأييدها للقضايا العادلة في هذا العام، ووقوفها إلى جانب المستضعفين والمضطهدين، فكان موقفها المشرّف في نصرة الثّورة السّورية والتّنديد بالعدوان الآثم الذي يتعرّض له الشّعب السّوريّ وبالمجازر المروّعة التي ترتكبُ في حقّه لا لشيء إلا لأنّه أراد أن يعيش حرا كريما. موقف كونسيلا الإنسانيّ هذا ينبغي أن يكون درسا مهمّا لأصحاب المعايير المزدوجة، والمزاحمات المفتعلة، الذين يرون في نصرة الشّعب السّوريّ ضدّ جلاّديه، خيانة للقضية الفلسطينيّة!.. لأنّهم بكلّ بساطة يريدون إثارة النّقع حول الثّورة السّورية الفاضحة التي أسقطت أوراق التّوت عن أصحاب المشاريع الطّائفية المتاجرين بقضية الأمّة الأولى.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 86 / 2287654

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 18

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010