] حرية وراء القبضان - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الأربعاء 19 نيسان (أبريل) 2017

حرية وراء القبضان

زهير ماجد
الأربعاء 19 نيسان (أبريل) 2017

وما نيل المطالب بالتمني .. ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
وما استعصى على قوم منال .. إذا الإقدام كان لهم ركابا
أحمد شوقي
دائما أتذكر هذين البيتين من الشعر الحاسم كلما ضاقت الدنيا على الأمة أو على شعوبنا .. إنهما أصفى كلام يقال في مواجهة الملمات الكبرى، قالهما شاعر ساحر الكلمات لا بد أيضا أنه عارف بأصول الحياة ومعنى أن تواجه.
الأسرى الفلسطينيون أكثر ما ينطبق عليهم هذا المفهوم. إنهم دائما أمام امتحان البقاء على قيد الحياة في مواجهة العسف الصهيوني وإذلاله. تحتاج الكرامة دائما إلى عقل يملك خيار التاريخ الذاهب إلى أمام، وإلى عينين ترصدان الزمن القادم، وإلى روح وثابة لا تقبل أنصاف الحلول وإلى قبضة مشدودة على حق. فسلام لكل هذا المتوافر في أسرانا الفلسطينيين الذين هم الشهود الحقيقيون الذين يكتبون شهادة واقع وميدان خارج كل فلسفات المثقفين، وكتابات الكتاب.
قرر الأسرى وقرارهم نابع من معاناة لا سبيل إلى غسلها إلا بالمجابهة اليومية .. ممنوع إذلال الأسير، بل يجب أن يذل السجان وعبره كل مسؤول صهيوني وصولا إلى تاريخه. هي سلسلة تنطبق على قيم الأسرى الذين يمثلون في سجنهم روح أمة صامدة وكل عناصر التحدي متوافر لها. هم الشعلة التي تشغل بالنا على مدار سنوات السجن، فإذا بهم على تحرر مضبوط على قواعد سلوك إخوانهم المجاهدين في السجن الأكبر الذي هو الوطن السليب.
كل سجين فلسطيني اليوم هو ابن قرار جماعي، لكنه دائم الهتاف الذي قاله مرة الشاعر محمود درويش يوم نال السجن أيضا: “في حجم مجدكم نعلي وقيد يدي بطول عمركم المجبول بالعار”. إنها الثورة المزينة للنفس التي تتحرر حتى وهي وراء القضبان، وهي إذ تكتب جزءا من مشيئتها الطويلة، فإن فلسطين تستحق الدفاع عنها حتى الموت والشهادة والأسر وأسرار العذاب الهامس مع النفس التي تطلب المقاومة في كل حين ولحظة.
انشغل العالم بأسرى فلسطين، بأولئك الصامدين الذين نصغر أمام كبرهم وعظمتهم .. هم يكبرون في اليوم عاما كما يقول محمود درويش، وهم تسبقهم قاماتهم إلى المشهد الذي تحتله مواقفهم. قد ينساهم العالم وهو نسّاء على كل حال لأنه يعيش أزماته الحضارية، وهم يعيشون مصير شعب وأمة.
حين قررت الكتابة عنهم، شعرت أنهم يملكون الفضاء ويبثون أفكارهم وبطولاتهم في أجيال تفهمهم جيدا. يتطلعون إلى أمة تكتب تاريخها من جديد، يحاولون تعثرها، إلا أن ذاكرة شهدائها تقف حائلا، وأصوات أبطالها في سجون الصهاينة تغنيهم إلى يوم الدين كما يقال. فماذا يعني أسير في سجون إسرائيل سوى أنه على حق وصواب في خياراته، وصاحب الحق سلطان، ومن يقرر المقاومة يمتلك فهم القدرة على ترجمة الوطن بدمه وعرقه ودقات قلبه المتيم به.
لن تتمكن إسرائيل من كسر الروح الوثابة في جمع الأسرى وخياراتهم، بل ستحقق لهم ما يريدون لأنهم أرادوا مرتين: مرة خارج السجن الصغير الذي هم فيه حين ترجموا مقاومتهم إلى فعل، ومرة أخرى داخل السجن الصغير حين قالوا وفعلوا وتحدوا ورسموا بسواعدهم ما تقبله الحرية التي تعيش في دواخلهم، كي يذل السجان ومن وراءه.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2289188

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

48 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 48

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010