] لعنة التنسيق الأمني - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الأربعاء 15 آذار (مارس) 2017

لعنة التنسيق الأمني

نبيل سالم
الأربعاء 15 آذار (مارس) 2017

يمكننا القول إن اتفاق أوسلو بغض النظر عن الذين يؤيدونه أو يرفضونه، يعتبر الآن ميتاً، وأنه لم يتبقَّ من هذا الاتفاق إلا ما يمكن أن نطلق عليه «لعنة التنسيق الأمني»، حيث من المؤسف أن يستمر هذا التنسيق الأمني مع الاحتلال في وقت يمعن فيه الأخير بتجاهل كل الاتفاقيات المبرمة مع الفلسطينيين، إلا موضوع التنسيق الأمني، الذي تحول مع الزمن إلى توظيف للأمن الفلسطيني، لصالح الاحتلال، حيث يعني التنسيق الأمني من وجهة النظر «الإسرائيلية»، أن تقدم السلطة الفلسطينية، كل المعلومات التي بحوزتها حول من يمكن أن يشكل خطراً على «إسرائيل»، وهذا يعني من البديهي تقديم الملفات الخاصة بالمقاومين للاحتلال، بحجة ما يسمونه السعي للتسوية السلمية، التي أثبتت الأيام أنها ليست سوى سراب في صحراء السياسة العربية القاحلة.
والحقيقة التي لا يمكن إخفاؤها، أو حتى تلطيف معانيها، هي أن عبارة التنسيق الأمني، مجرد تلطيف لغوي لفكرة التجسس على المقاومين، وتقديم الأخبار لقوات الاحتلال. ومع احترامنا الشديد للنضال الوطني المشرف، الذي خاضته منظمة التحرير الفلسطينية على مدى عشرات السنين ضد الاحتلال، إلا أن من المستهجن، أن يحاول أحدهم أن يشرعن التعاون مع العدو، تحت أي صيغة أو سبب، خاصة في وقت يعلن فيه الكيان الصهيوني صراحة تنصله من كل الالتزامات، التي تفرضها عليه عملية التسوية على علاتها.
هذه المقدمة قادنا إليها استشهاد المناضل الفلسطيني باسل الأعرج برصاص قوات الاحتلال، بعد معركة مع جنود العدو، قدم فيها الأعرج أمثولة للبطولة. لكن المفارقة هنا أن الشهيد الأعرج مطلوب من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، مع أربعة من رفاقه وقعوا في أسر العدو، بتهم تدعو للاستهجان، إحداها حيازة أسلحة بلا تراخيص، وتعريض حياة الناس للخطر، والأنكى من ذلك أن «القضاء الفلسطيني» استمر بالنظر في قضية الشهيد الأعرج ورفاقه، فيما فرقت أجهزة الأمن الفلسطينية بالقوة عشرات كانوا يعتصمون أمام المحكمة التي تنظر في القضية.
ولعل من المستهجن أيضاً أن تنهال الشرطة الفلسطينية ضرباً بالهراوات على صحفيين ونشطاء، بينهم محامون كانوا ضمن المعتصمين الرافضين لهذه المحاكمة، التي لا يمكن وصفها إلا باعتبارها مسرحية تعيد إلى الأذهان حركة مصالي الحاج، التي تعاونت مع الاحتلال الفرنسي ضد جبهة التحرير في الجزائر، وعند الاستقلال هرب «الحركيون» جميعاً إلى فرنسا، فلم يعد في استطاعتهم البقاء في بلدهم.
والتنسيق الأمني الذي ما تزال السلطة الفلسطينية مصرة على التمسك به بحجة أنه أحد شروط التسوية، التي شبعت موتاً، ينص على تبادل الطرفين للمعلومات الأمنية، والسؤال هو متى قدمت «إسرائيل» معلومات للسلطة الفلسطينية، عن مستوطنين يسعون للمساس بالأمن الفلسطيني؟ وهل الأمن من حق «الإسرائيليين» فقط وحكر عليهم؟
وأخيراً لا بد من الاعتراف والإشارة إلى أن التعاون بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية وبين المخابرات «الإسرائيلية» برعاية أمريكية، يهدف إلى حماية أمن المستوطنين اليهود، تحت مسمى محاربة الإرهاب كما تدعي «إسرائيل» وأمريكا، أو محاربة العنف بدلاً من تصفية المقاومة.
وعليه فإن وقف هذا التنسيق الأمني مع الاحتلال يعد أحد الشروط اللازم توفرها، لحماية المشروع الوطني التحرري الفلسطيني، وإلا فإن استمراره لا يعني إلا تقديم خدمات مجانية للاحتلال على حساب الوطن والشعب الفلسطينيَّين.
ومع أن جريمة اغتيال المناضل الفلسطيني باسل الأعرج على يد قوات الاحتلال وتصفيته بدم بارد، ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، إلا أن ما يجب قوله هنا هو أن وقف «التنسيق الأمني» مع الاحتلال أمر لا يجب السكوت عنه على مستوى الشعب الفلسطيني عامة؛ لأنه يسيء بشكل مباشر لكل الشرفاء من المناضلين الفلسطينيين، الذين استشهدوا في الدفاع عن قضيتهم العادلة، في الوقت الذي يشكل فيه خطراً حقيقياً على مستقبل النضال الفلسطيني برمته، ومع أننا نتحفظ على استخدام الكلمات المعبرة عن معنى هذا التنسيق الأمني مع العدو، احتراماً للتاريخ النضالي الفلسطيني، إلا أن أحداً لا يمكنه الزعم بأن الشعب الفلسطيني، المعروف بثقافته ووعيه السياسي الكبير، قد يخطئ في توصيف هذه الممارسات على حقيقتها.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2287654

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

31 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 27

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010