] القنبلة الموقوتة - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الاثنين 13 آذار (مارس) 2017

القنبلة الموقوتة

زهير ماجد
الاثنين 13 آذار (مارس) 2017

المشهد يتكرر .. في عالمنا العربي رأيناه، واليوم نعيش صوره الجديدة .. بدأ مع مأساة فلسطين وقد لا يحط رحاله في عالم اليوم. نازحون بالجملة ومهجرون يهربون إلى فضاء لا يعرفونه، بعض الخبز وبقايا طعام إن وجد في أكياس مهترئة .. ثم صمت في المسير كأنهم في جنازة حبيب، فيما الوجوه مكفهرة وعلامات الخوف تأكل لون الوجنات.
في ذلك اليوم الذي انطلق فيه مهجرو فلسطين عام التطهير العرقي 1948 رصدهم الشاعر العراقي الراحل بدر شاكر السياب فرسم لوحة بالكلمات تقول “أرأيت قافلة الضياع، أما رأيت النازحين، الحاملين على الكواهل من متاهات السنين، آثام كل الخاطئين”. فهل يختلف مشاهد يومنا عن هذه الصورة المعبرة، هم في العراق كما هم في سوريا وفي ليبيا ولا ندري ماذا تخبئ لنا لعبة الأمم في أماكن عربية أخرى؟
المهم في موضوعنا، أن في تلك القوافل النازحة والمهجرة من المدن والأرياف العربية ما يفوق الغضب الصامت، حيث تولد مع الوقت قنابل موقوتة لن ترحم أحدا ولن يسلم منها أحد لا في الشرق ولا في الغرب إلا إذا تهذب هذا العالم، وأيقن هذا المستقبل المخيف، وقام بتجفيف منابع الحرب عن دولنا المشتعلة بها كي تتوقف تلك الحروب وتنتهي.
الجيل الصغير المحمول بين أحضان أهله، يكبر، والجيل الذي سبقه إلى الكبر أيضا، وهكذا .. إنها أجيال لم تعرف ما معنى الوطن وكيف هي الحكومات ولم تفهم أن للأمن قواه، وأن المجتمعات تعيش على قوانين مدنية وعسكرية وبها إيقاعات الحكم. كل هذه مفقودة في عقل الأجيال المهاجرة والنازحة، إضافة إلى تلك المفاهيم، فهي لم تتعلم ولم تدخل المدارس ثم ليس لديها مال تحارب به الزمن تماما كالعلم، فهي بالتالي غريبة عن مجتمعات العالم وقبلها عن مجتمعاتها، فماذا عليها أن تفعل سوى أن تفرغ حقدها المملوء في نفوسها التواقة إلى احتقار العالم، ولن يكون أمامها سوى فعل الانتقام، وقد شاهدنا منه عينات بسيطة ليست شيئا أمام أهوال ما سيحدث .. رأينا قتلا بالرصاص، اغتيال بالجملة، ورأينا دهسا، كما رأينا ذبحا. وهذه كلها عينات بسيطة قام به جيل تسنى له ولو قليل علم وعمل، فكيف سيكون عليه أجيال الغضب المخبأ في الصدور والحقد الدفين على البشرية يوم يتفتح عقله على ما سيسمعه من أهله أو من أقرانه وما سيراه في التلفاز الذي يفوز عادة بصور تذهب إلى الأرشيف ولا تمحى.
يجب أن يعرف العالم ماذا ينتظره من أجيال الغضب تلك، وهي إن لم تدرك ذلك تكون أمام غفلة ستدفع ثمنها غاليا من أمنها وشعوبها، إنها قصة عشرات الألوف بل مئات الألوف وربما أكثر وهم يكبرون تحت ضوء الحقيقة الساطعة التي أنتجت خسرانهم لأوطانهم. على هذا العالم أن يستفيق قبل فوات الأوان وقبل أن يتحول هؤلاء الأطفال والفتية إلى قنابل موقوتة بالجملة، وأن يسارع إلى إطفاء الحروب المشتعلة التي ساهم فيها بل صنعها في عالمنا العربي. ليس لديه وقت للتفكير، الأطفال يكبرون، وربما عذاب النزوح والتهجير يدفعهم إلى النمو الجسدي السريع فيما العقل الصغير يختزن حاضرا مرعبا من العيش المأساوي.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2289188

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

40 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 42

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010