] استهداف سيناء.. كلام في الأمن القومي - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الأحد 12 آذار (مارس) 2017

استهداف سيناء.. كلام في الأمن القومي

عبدالله السناوي
الأحد 12 آذار (مارس) 2017

استهداف سيناء حقيقة لا يمكن إنكارها والحرب مع الإرهاب قد تطول بأكثر من أي توقع.
من وقت لآخر، وأحياناً بصورة متسارعة، تنشأ مواجهات عنيفة وضربات متبادلة مع جماعات الإرهاب دون أن يبدو واضحاً متى تحسم الحرب؟
في مثل هذا النوع من الحروب فإن التفاف الرأي العام حول قواته التي تحارب، مسألة لا غنى عنها، أن يعرف ماذا يحدث بالضبط؟.. وما دوره فيها؟.. وأين الثغرات التي يتعين سدها؟ ثم أن يكون على يقين من الصورة التي سوف تستقر عليها الأوضاع في سيناء بعد أن تصل الحرب إلى نهايتها.
سيناء ليست مجرد ميدان مفتوح مع جماعات إرهاب شأن أي ميدان آخر في الداخل المصري.
سيناء مسألة أمن قومي إذا سلخت فلا قومة لمصر بعدها.
وضوح الحقائق من مقومات حسم الحرب.لا يصح تجاهل التسريبات «الإسرائيلية» عن وطن بديل في شمال سيناء، أو تبادل أراضي وفق تسوية تضمن التخلص من صداع غزة وهضم ما تبقى من أراضٍ في الضفة الغربية وتهويد القدس بالكامل و«تطهير الدولة العبرية» من الفلسطينيين تحت عنوان «الدولة الواحدة».
التسريبات بذاتها مزعجة، فهي من ناحية شبه رسمية لاختبار ردّات الفعل المحتملة، ومن ناحية أخرى فالإدارة الأمريكية الجديدة لا تمانع فيها على أقل التقديرات.
إذا لم يكن الكلام صارماً والتصرفات على قدر الخطر فإن كل السيناريوهات محتملة بما فيها سلخ أجزاء من سيناء. بغض النظر عن نظريات المؤامرة وضلوع «أنصار بيت المقدس» فيها فإنّ النتائج على الأرض تحسمها السياسات المعلنة.
هنا.. خط أحمر نهائي. هنا.. الحدود الأخيرة للأمن القومي المصري. هنا.. الحرب من جديد إذا اقتضى الأمر. بصياغة أخرى مصر لا تحتمل ولا تتحمل سلخ أي جزء من أراضيها. بصورة أو أخرى سوف تهرع لحمل السلاح أيّاً كانت النتائج، فالتخاذل في هذه الحالة لا يمكن تبريره والصمت عليه.
باليقين فإن أحداً في مصر لا يطلب الحرب، لكنها قد تفرض عليها إذا ما استهانت «إسرائيل» بتكامل ترابها الوطني. أرجو أن نتذكر أن كل الحروب، التي خاضتها مصر على مدى سبعة عقود، ارتبطت بسيناء. وقد اكتسبت رمزيتها من حجم الدماء والتضحيات التي بذلت حتى تكون مصرية وحرّة.
في عام (١٩٤٨) عبرت القوات المصرية سيناء إلى فلسطين، حيث قاتلت من أجل أمنها القومي قبل أي شيء آخر بتعبير الضابط الشاب «جمال عبدالناصر» بخط يده أثناء العمليات العسكرية.
وفي عام (١٩٥٦) اقتحمت القوات «الإسرائيلية» سيناء لإرباك الجيش المصري حتى يتسنى للقوات البريطانية والفرنسية احتلال منطقة قناة السويس بلا مقاومة يعتدّ بها.
أفضت النتائج السياسية لحرب السويس إلى بروز الدور المصري على المسرح الإقليمي قائداً بلا منازع لعالمه العربي وقارته الإفريقية، التي شهدت مطلع الستينات من القرن الماضي أوسع عملية تحرير في التاريخ. وفي عام (١٩٦٧) تعرضت لهزيمة عسكرية فادحة استهدفت بالمقام الأول إجهاض تجربتها التنموية والتحررية من بين ثغرات نظامها السياسي، قبل أن تقف على قدميها من جديد في سنوات حرب الاستنزاف.
بتضحيات الرجال عبرت أخطر مانع مائي في التاريخ لتحرير أراضيها المحتلة في أكتوبر عام (١٩٧٣). وبغض النظر عن النتائج السياسية لتلك الحرب فإن جيلاً كاملاً أبدى استعداداً لبذل كل تضحية ودفع فواتير دمّ حتى تظل سيناء مصرية وحرّة.
تلك حقائق تاريخ لا يصح أن تنسى. وتلك بديهيات سياسة لا يجوز أن تبهت.
سيناء، قضية أمن قومي، لا التهاون ممكن ولا التخاذل محتمل. كلما طالت الحرب مع جماعات الإرهاب يرتفع منسوب خطر سلخ أجزاء من سيناء.
وبقدر وضوح المواقف يكتسب البلد مناعته وقدرته على صدّ أية أخطار.
مستقبل سيناء تحدده اعتبارات متداخلة. ما يجري في الإقليم من تطورات أساسية قد تؤسس لخرائط جديدة بعد انتهاء الحرب على «داعش» له دور وحساب.
وما يجري في الغرب من تحولات في التوجهات الرئيسية بعد صعود «دونالد ترامب» له دور وحساب.
لابد أن يكون الصوت عالياً والكلام حاسماً فيما يتعلق باستهداف سيناء وإلاّ فإن العواقب مرعبة.
كما أن مدى تماسك الوضع الداخلي له دور وحساب.تحصين الوضع الداخلي بقواعد دولة القانون، التي تضمن الحريات والأمن بالوقت نفسه، من ضرورات بناء أية استراتيجية متماسكة لدحر الإرهاب.
وتكامل الاستراتيجية يستدعي حضور المجتمع بحرية وعافية في المشهد بعيداً عن صخب الدعايات.
بصورة أو أخرى تجاوزت مصر صدمة ما جرى في شمال سيناء من نزوح قسري لأغلب أسره المسيحية خشية التقتيل وحرق المنازل. بقدر الخطر تماسكت، لكنها لم تتوقف عند رسائل ما جرى ولا نظرت في سياقاته الإقليمية ولا تحسّبت لما يمكن أن يحدث بعده.
وقد كان مثيراً أن الألفاظ غلبت المعاني، فقد كان الحرص بالغاً على عدم وصف ما جرى ب «التهجير».
سواء كان تهجيراً، أو نزوحاً، أو مغادرة فإن المعنى واحد والرسالة التي طلبتها الجماعات الإرهابية واحدة.
بالعمق فإن استهداف المسيحيين من استهداف سيناء نفسها.
لم يكن استهداف المسيحيين هدفاً عشوائياً، فهناك من طلب إخلاء شمال سيناء من مواطنيها المسيحيين لأسباب لم تنجلِ كل حقائقها.
أين الخطر بالضبط؟ هل في الفكر الذي يحرض على العنف ويرى في المسيحيين عدوّاً لا شريكاً في وطن؟
أم هو تمهيد ميداني لإنشاء ولاية إسلامية تتبع «داعش» في سيناء؟ أم أن الأمر يتجاوز ذلك كله إلى نزع شمال سيناء عن الجسد المصري في إطار مشروع لتبادل الأراضي؟
حيث الخطر بتنويعاته فإن القضية كلها يجب أن توضع في عهدة الرأي العام حتى يستبين الحقائق قبل أن تداهمه بأخطارها.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2287654

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

24 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 24

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010