] الخلفية التاريخية لاتفاق أوسلو - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 11 آذار (مارس) 2017

الخلفية التاريخية لاتفاق أوسلو

عوني فرسخ
السبت 11 آذار (مارس) 2017

عقب حرب 1973، فإن نظام السادات، وأكثر من نظام عربي، طالب قيادة منظمة التحرير الاعتراف ب«إسرائيل» حتى يمكن الاتفاق على إقامة حكم ذاتي في الضفة والقطاع المحتلين ينطوي على أمل لاحق بدولة فلسطينية مستقلة. وفي يونيو/ حزيران 1974 أقر المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الثانية عشرة برنامج النقاط العشر متضمناً المرحلية في الصراع العربي - الصهيوني بحجة «الواقعية»، ما تسبب بانقسام فصائل المقاومة إلى تيارين:
الأول، تقوده فتح مؤيدة من الجبهة الديمقراطية، الداعي لإقامة سلطة على بعض الأرض المحتلة، والملتزم ب «المفاوضات» خياراً استراتيجياً، ما يقتضي التنازل عن بعض الثوابت الفلسطينية. وراح عرفات يروج للبرنامج المرحلي في حركة فتح أولا، ثم في المنظمة ثانيا، سعياً لتحويل الموقف من برنامج التحرير إلى برنامج التسوية. مدعياً بأن البرنامج المرحلي لا يتعارض مع الهدف الاستراتيجي. وأخذ يضمن قرارات المجلس الوطني نصاً بجدية التوجه للتسوية، ثم يضع نصاً يوحي الالتزام بالميثاق الوطني. بحيث نجح في توسيع إطار مؤيدي البرنامج المرحلي. ووجد بين المستشارين والإعلاميين من دعوا لذلك بحجة «الواقعية».
وقد ضم التيار الثاني الجبهة الشعبية، والجبهة الشعبية - القيادة العامة، وجبهة النضال الشعبي، ملتزماً بتحرير كامل فلسطين، ورفض كل طروحات التسوية الأمريكية، باعتبار أن قضية فلسطين باقية ما دام نهج الممانعة قائماً، تأسيساً على إدراك أن التجمع الصهيوني يجسد استعماراً استيطانياً إجلائياً، مجمعاً على عدم الاستعداد للتنازل عن أي من أهدافه التاريخية. وبالتالي فالصراع مع المشروع الصهيوني صراع وجود ولا حدود.
وبدأ محمود عباس «أبو مازن» لقاء يوسي بيلين، رجل شمعون بيريز، وتوالت لقاءاتهما. كما أنه بتوجيه من عرفات، أدار خمس قنوات اتصال مع أعضاء بارزين في «اليسار الاسرائيلي» تولاها بعض مديري مكاتب المنظمة في أوروبا. دون وعي بكون منظمات «اليسار الإسرائيلي» محدودة الأعضاء، هامشية الدور في التجمع الصهيوني، فضلا عن التزام عناصرها التام بكامل الأهداف الصهيونية، ولولا ذلك لما هجروا أوطانهم وقدموا لفلسطين ولم يتوجهوا لأمريكا وأوروبا حيث الفرص واسعة للمبدعين. ولم يلبث قادة فتح والديمقراطية أن حاوروا اليمين الصهيوني وصناع قرار دولة «إسرائيل».
وباعتماد «المفاوضات» خياراً استراتيجياً تكون قيادة فتح التاريخية قد حوّلت منظمة التحرير من مؤسسة وطنية مؤيدة من الأمة العربية باعتباها ممثلة الشعب العربي الفلسطيني في إدارة الصراع مع «إسرائيل» ورعاتها الدوليين وحلفائها الإقليميين، إلى أداة مسخّرة في تمرير الحصاد المر لمسلسل التنازلات عن الثوابت الوطنية.
ولا شك أنه كان لرحيل عبدالناصر، وافتقاد المنظمة والكفاح المسلح الظهير القومي، وما ترتب على ردة السادات عن مبادىء ثورة 23 يوليو / تموز 1952 ونهج عبدالناصر التحرري التقدمي من انحسار المد القومي، وغلبة الخطاب القطري، تأثيره الشديد على التحول في موقف قيادة فتح إلى السعي العبثي عن تسوية مستحيلة مع المشروع العنصري الصهيوني.
ويذكر هيكل أن رجل الأعمال الفلسطيني حسيب الصباغ، الذي ربطته صلة عمل مع «شولتز» أيام كان رئيس شركة «بكتيل» للمقاولات، اصطحب كلا من هيكل وأحمد بهاء الدين بطائرته الخاصة إلى جنيف، حيث عقدوا اجتماعات مع عبدالمجيد شومان، وسعيد خوري، وعبدالمحسن قطان، وزين مياسي، من رجال الأعمال الفلسطينيين، ومعهم ادوارد سعيد وباسل عقل. وخلال أربع جلسات عمل طويلة توصلوا إلى: أنه إذا كان مطلوب من المنظمة الاعتراف ب«إسرائيل» يستحسن أن يتم ذلك تحت مظلة قرار التقسيم، الذي ينص على قيام دولتين في فلسطين: عربية ويهودية. وبموجبه يمكن إعلان دولة فلسطينية مستقلة تعترف بها الدول العربية والصديقة وتتولى هي مسؤولية التفاوض من أجل حل نهائي للصراع.
واتجهوا عدا إدوارد سعيد إلى تونس للقاء قادة المنظمة لعرض نتائج مباحثاتهم. واوضحوا أن انتفاضة أطفال الحجارة واستمرارها أكثر من عام، والوهج الذي عكسته على القضية الفلسطينية، يعطي المفاوض الفلسطيني فرصة لم تكن متاحة من قبل. ويلاحظ هيكل أن قيادة المنظمة بدت مرهقة، وضعيفة الثقة بهدفها، وقلقة على حاضرها ومستقبلها. وقد أخذت تراود بعضهم أحلام قيام دولة فلسطينية وشعورهم بأنه قد آن للمقاتل أن يستريح، وأن يعيش ما تبقى من حياته.
ويذكر د. حليم بركات أن الزعيم الجنوب إفريقي منديلا لدى زيارته الولايات المتحدة سنة 1990 طالبه الرئيس جورج بوش بشجب العنف والكفاح المسلح، فرد منطلقاً من ثقة عميقة بشعبه ونفسه وعدالة قضيته قائلا: «إن وسائل العمل السياسي التي استعملها الشعب الأسود في جنوب إفريقيا فرضتها حكومة جنوب إفريقيا نفسها. حين تكون الحكومة مستعدة للحوار والإبقاء على قنوات الاتصال بينها وبين المحكومين، يصبح العنف غير وارد بتاتا. ولكن عندما تقرر الحكومة منع المضطهدين من التنظيم السياسي، وتمعن في اضطهادهم، ولا تسمح بالنشاط السياسي وإن كان سلمياً، حينئذ لا يكون للشعب بديل غير اللجوء إلى العنف، وهذا يعود إلى غياب أي بديل آخر» وبذلك استطاع منديلا انتزاع إعجاب الأمريكيين، بمن فيهم أعداؤه، ويفرض احترامه وقضية شعبه عليهم جميعاً.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 32 / 2287654

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 19

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010