] ترامب يريد اغتيال العولمة - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الجمعة 3 آذار (مارس) 2017

ترامب يريد اغتيال العولمة

الجمعة 3 آذار (مارس) 2017

العولمة هي إحدى الوسائل الكبرى التي عمّمتها الإمبراطورية الاقتصادية الأميركية للإمساك بحركة الاستهلاك في العالم، فلماذا يشنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب حرباً ضروساً عليها إلى حدود السّعي إلى إزالتها من التعاملات الاقتصادية والسياسية بين بلاده والعالم؟ وكيف تحوّلت العولمة وبالاً على مخترعيها في الولايات المتحدة الأميركية؟

لجأ الأميركيون إلى تعميم العولمة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في 1989. حاولوا ذلك بأسلوب الاجتياحات العسكرية في أميركا الجنوبية و»الشرق الأوسط» والعالم العربي، فلم ينجحوا.. فلجاوا إلى أساليب الإقناع في السياسة ووسائل الإعلام الكوني التي حوّلت العالم قرية صغيرة، والعولمة بما هي إلغاء لكل أنواع الحدود السياسية والثقافية والاقتصادية، إنّما انتشرت في سبيل تأمين مرور سريع للسلعة الأميركية والغربية من دون العوائق الوطنية والسياسية والحمائية في كلّ بلدان العالم، وهذا ما حدث في المرحلة الأولى.. إعلام كوني ينقل طرق العيش الأميركية الموحّدة، وغذاء أميركي قائم على الوجبات السريعة يجتاح العالم، و»الكاوبوي» لباس رعاة البقر الأميركيين يصبح اللباس الأوّل لشبيبة الأرض من الجنسين.

وبعد أقلّ من عقد، تبيّن أنّ الولايات المتحدة الأميركية هي أكبر المتضرّرين من سياسات العولمة مقابل تقدّم لافت للسلع الصينيّة، بدا وكأنّه يشبه حركة اجتياح كبرى إلى جانب ازدهار ألماني وياباني ترافق مع غزو عمالة مكسيكية غير مسبوقة للمدن الأميركية، ناهيك عن المهاجرين من العالم الإسلامي الذين مشّطوا الجغرافية الأميركية من أقصاها إلى أقصاها.

ما تسبّب بتفاقم الأزمة الأميركية من العولمة، هو قرار الرأسمال الأميركي إلى بلدان جنوب شرقي آسيا للاستثمار الصناعي فيها، حيث العمالة رخيصة والأكلاف متدنّية والضرائب غير قاسية، فارتفع المعدّل الأميركي للبطالة ومستوى التضخّ والدَّين الوطني الأميركي، اي 16 بليون دولار مقابل ديون فاقت العشرين بليوناً.

والمعروف أنّ الاستقرار الأميركي التاريخي سببه توسّع إطار الطبقة الوسطى في الولايات المتحدة إلى أكثر من ستين في المئة من السكان، وهو رقم يؤشّر إلى الازدهار والتوازن، فإذ به يتدنّى إلى ما دون الثلاثين في المئة مقابل سيطرة عشرة في المئة من الأميركيين على نحو 55 في المئة من الثروة الوطنية، وهذا يدلّ في بلد مثل أميركا على بداية توتر اجتماعي غير مسبوق منذ الحرب العالمية الأولى، ويعكس خشية الإمبراطورية الاقتصادية الأميركية من تحوّل بلادها إلى بلد فاشل، فتخسر موقعها كمرجعية أولى وحيدة في العالم.

وكان النظام الرأسمالي القاسي مطبّقاً في الولايات المتحدة قبل العولمة، بمعنى أنّ الحدود الأميركية لم تكن مفتوحة، وكانت الرأسمالية تتغطّى آنذاك بقوانين أساسيّة للرعاية الاجتماعية بدأت منذ 1945، وأدّت إلى حمايتها من الآثار المدمّرة للصراع الطبقي، ولعبت دوراً أساسياً في امتصاص الحريات الممنوحة إلى سوق العمل كموقع أساسي ووحيد لتنظيم الحياة الاقتصادية بمعزل عن أيّ دور تدخّلي للدولة.

لقد اكتشف الأميركيون أنّ الناتج القومي الصيني يكاد يسبق مردودهم الوطني، وهذا يعني احتلال الصين جزءاً من المرجعيّة الدولية على المستوى السياسي، فاستشاطوا غضباً وخوفاً، وتبيّن لهم أنّ ألمانيا زعيمة أوروبا سجّلت عبر العولمة موقعاً اقتصادياً نقلها إلى المرتبة الثالثة على مستوى العالم إلى جانب اليابان، وهذه الأخيرة تقذف بسلعها المتقدّمة على السلع الصينية في مختلف أرجاء المعمورة لتنافس البضائع الأميركية والأوروبية بجدارة ومن دون الدخول في تنافس عسكري مع أحد، فهي محميّة من قواعد أميركية ترابط فيها كناتج من الحرب العالمية الثانية، وتأكيداً على هزيمتها العسكرية في ذلك الوقت. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ اليابان تحمي نفسها بسلاح أميركي لا تشارك في أكلاف صناعية، وتخترق كلّ الحدود بسلعها الصناعية المهمة، ما أدّى إلى ازدهارها على هذا النحو بالمساواة مع ألمانيا التي يوجد فيها أيضاً قواعد عسكرية أميركية تتحمّل أكلافها واشنطن، وتعبّر عن انتصار أميركي على ألمانيا في الحرب العالمية الثانية.

تبيّن إذن لواشنطن أنّ العولمة أصبحت سلاحاً منصوباً في وجه هيمنتها، فكان نجاح ترامب في الانتخابات الرئاسية تعبيراً عن هذا التراجع ومحاولة لاحتوائه، فشعاراته التي أطلقها منذ بدء حملته الانتخابية تعكس الأزمة الحالية للإمبراطورية الأميركية.

لذلك رفع ترامب شعار إعادة نصب الحدود السياسية، مؤكّداً على أنّه «لا يوجد دولة حيث لا توجد حدود سياسية»، ومستهدفاً البلدان التي استفادت من العولمة وهي الصين وألمانيا واليابان، مؤكّداً ضرورة طرد العمالة المكسيكية الرخيصة التي فضّلتها المصانع الأميركية على حساب التخلّي عن العمالة الأميركية، ومطالباً الدول المحميّة من أميركا بالدفع المباشر لواشنطن ثمناً لهذه الحماية، متوجّهاً بذلك إلى بلدان الخليج واليابان وألمانيا، وهي مناطق محمية بقواعد أميركية.

فإذا كانت العولمة هي سياسة فتح كلّ انواع الحدود والمعوقات أمام حركة انتقال السلع، فإنّ المستفيد منها هي الدول القادرة على نقل سلعها، وهو العالم الغربي بأسره، والذي استفاد هي الدول الغربية. فإذا افترضنا بلداناً كلبنان أو السعودية أو حتى مصر فتحت حدودها لاستقبال سلع غربية مقابل إرسال سلعها إليها، فإنّ الأمر يبدو مضحكاً لأنّه يعني استقبال سلع بمئات مليارات الدولارات من دون ضرائب، مقابل نقل سلع عربية إلى أميركا بعشرات الملايين من دون ضرائب. فمن الرابح يا ترى؟ إنّه الغرب بكلّ تأكيد. لكنّ واشنطن لا تقبل بهذه المعادلة، وتريد أن يكون الرابح أميركياً لتبقى هي هي كما كانت الإمبراطورية الاقتصادية الوحيدة في العالم.

لمجمل هذه الأسباب، تتصدّر مسألة العودة إلى تطبيق الرأسمالية المتوحّشة بالسياسة الأميركية الأساسية: نصب حدود أميركية قوية، تدفيع العالم ثمن الأكلاف العسكرية الأميركية، عدم السماح لدول العالم بنصب حدود قويّة أمام حركة السلع الأميركية مع العودة إلى سياسات توتير الأوضاع السياسية والأمنية في العالم لرفع معدّل بيع السلاح الأميركي وإلغاء كلّ البُنى والمؤسّسات الدولية التي ترهق موازنة الرأسمالية الأميركية المتوحّشة، مع العودة إلى غزو المناطق، حيث يوجد ألغاز بأساليب سياسية وعسكرية، فبذلك تستطيع واشنطن الإمساك بروسيا في لعبة تدمير الصين والتحكّم في العلاقات الاقتصادية.

وما يحدث في سورية من إعادة تجميع للأوراق الأميركية ليس إلّا محاولة واضحة لبناء تفاهم سعوديّ تركيّ و»إسرائيلي» وأردني يعمل على جذب مصر وباكستان في محاولة واضحة لبناء حلف إسلامي يشابه حلف الأطلسي، ومهمّته محصورة بمنع الصين من التحرّك الاقتصادي الحر، والحدّ من النفوذ الإيراني والحيلولة دون تحوّل روسيا من قوة إقليمية، كما تراها واشنطن، إلى مرجعية دولية تفرض عليها العودة إلى احترام القوانين الدولية.

إنّ العودة إلى الرأسمالية المتوحّشة قد تعيد الازدهار إلى الاقتصاد الأميركي المتزعزع، لكنّها لن تتحقّق إلّا بالمزيد من الانهيارات الاقتصادية في دول العالم، إلى جانب اندلاع حروب إقليمية ترعاها رأسمالية ترامب وجنونه.

فهل تتمكّن روسيا وإيران والصين من إنجاز حلف يقي العالم شرور رأسمالية ترامب المتوحّشة؟ يتبلور هذا التحالف بسرعة ملحوظة تحت ضغط حركة الاقتصاد الأميركي الترامبي، مستفيداً من انزعاج ألماني، ياباني، أوروبي يدفع نحو المجابهة للحدّ من إمكانية تحوّل جنون الرئيس الأميركي إلى حروب عالمية ثالثة.

والمعتقد أنّ الدولة الأميركية العميقة، إلى جانب تكوّن أحلاف مضادّة هي التي تلعب دوراً كبيراً في إنقاذ العالم من شرّ مستطير يحمله رجل أعمال متوحّش أصبح رئيساً ويريد سرقة آخر قرش في أنحاء المعمورة على طريقة الكاوبوي الأميركي، فهل يكون العالم قطار يهاجمه هذا الكاوبوي في فيلم أميركي؟ مَن يعش يرَ.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2287654

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

31 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 27

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010