قضية أم مطية؟

خيري منصور

الاثنين 27 شباط (فبراير) 2017

لو توفر للعرب حاسوب قومي ذكي وعهد إليه بإحصاء كل ما قيل ونشر وكتب عن فلسطين، إضافة إلى مسلسل الانقلابات العسكرية التي كانت بياناتها الأولى تعد بتحرير فلسطين، وما مورس من استبداد بحجة أولوية القضية، ولكيلا يعلو صوت على صوت المعركة، لكانت الحصيلة فلكية، لكن كل تلك الأنهار والسواقي لم تجد المصب، ومعظمها شربته الرمال في الطريق إلى القدس.
لقد وصفت القضية الفلسطينية بمختلف اللغات أنها الأعدل بين القضايا كلها، وقيل أيضاً إن عدالتها ارتهنت لأسوأ المحامين، وهي القضية التي باضت ذهباً لمن امتطوها، لكنها نزفت من الخاصرتين ما يكفي لأن يطفو شعب على دمها!
أكثر من ستة عقود والوعود كلها عرقوبية، ولم يلزم الصمت حتى هؤلاء الذين لا خيل لديهم ولا مال كي يقدموه لها، وباسمها اقترفت جرائم أكثر من تلك التي اقترفت باسم الحرية كما قيل عن الثورة الفرنسية، وربما لأنها الأوضح بين القضايا كلها؛ لأنها تتلخص في عبارة واحدة هي إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق، فقد تراكمت عليها البلاغة والحذلقة ولم يبقَ واحد حتى من الهواة لم يجرب حظه. وهناك من تحطمت سيوفهم على طواحين الهواء، ومنهم من ادعى بأنه المعتصم الذي لبّى الاستغاثة في عمورية القرن العشرين!
لقد كان الذين أعطوا وعمروا ما انتهى إلى أطلال الأكثر صمتاً وعفة عن الادعاء، وتلك من صميم الموقف الأخلاقي!
فهل بقي متسع للمزيد من الامتطاء واستثمار الدم والآلام؟ أم أن الحقيقة أصبحت عارية، وكذلك الوجوه بعد أن تساقطت الأقنعة؟
لم يكن الشهيد بحاجة إلى شاهد كما هو الآن، لأن الأوراق اختلطت، ولأن ظلم ذوي القربى أشد مضاضة من وقع الصواريخ، وليس فقط من وقع السيوف!
ما بذله شعب صغير من الدم والدمع والتشريد والحصار كان يكفي لتحرير قارة محتلة، فأية رياضيات تلك التي حذفت الجمع والضرب وأبقت القسمة والطرح!
والأرجح أن لكلٍّ فلسطينه في هذا المزاد السياسي، لهذا أوصلت فلسطين كل من امتطوها إلى غاياتهم وهي الوحيدة التي لم تصل!