] عندما يتيه التعاون ويغيب المشترك - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الخميس 23 شباط (فبراير) 2017

عندما يتيه التعاون ويغيب المشترك

د. علي محمد فخرو
الخميس 23 شباط (فبراير) 2017

وأخيراً، ها إن مؤسسة القمة العربية تجتمع. وهو اجتماع كان من المفروض أن يكون العشرين، أو أكثر لمناقشة تداعيات، وتعقيدات، ومتاهات، ومآسي حراكات وثورات السنوات الست الماضية.
أما وأن وتيرة، واهتمامات مؤتمرات القمة قد ظلّت على حالها، وغلب التفرج على الفعل، وظلّت الحرائق تشتعل من دون استدعاء، واستعمال وسائل إطفائها، فإن ذلك كله يستدعي طرح التساؤلات الصّادقة، الصّعبة، المؤلمة بشأن انعقاد الاجتماع الأخير.
أول هذه التساؤلات يتعلق بمواضيع جدول الأعمال. أيّ المواضيع تستحق أن تناقش، وأيّها توجد إمكانية لمناقشته؟ حاولت بكل ما أوتيت من عقل، وخيال، وروح متفائلة الوصول إلى أجوبة مقنعة، فلم أوفّق.
سألت، هل يمكن تَحَقق التداول المعقول بشأن قضية القضايا وأطولها عمراً، قضية فلسطين العربية، بين من يسيرون بسرعة البرق نحو التطبيع السياسي، والاقتصادي، والثقافي، والإعلامي مع العدو الصهيوني المحتل من جهة، ومن يُنسقون ليل نهار مع أجهزة الاستخبارات الصهيونية، ومن يتحدث العالم عن توجههم نحو استراتيجية مشتركة واحدة، بنظرة واحدة متناغمة متعاونة بشأن كل ما يجري في فلسطين والأرض العربية، وإقليم الشرق الأوسط، والساحات الدولية، ومن جهة أخرى بين من لا يزال لديهم، ولو قليل من الالتزام تجاه إخوة عرب مشردين معذبين، ومن الممانعة والرفض لاغتصاب فلسطين العربية وتهويدها، وإخراج من بقي من أهلها، بل والهيمنة على إرادة ومستقبل كل الأجيال العربية القادمة؟
كان الجواب صادماً، إذ ستكون تلك مداولات الطّرشان، وثرثرة الكلام الذي لا يجدي، ولا يفعل في الواقع.
سألت، هل يمكن إجراء مداولات بشأن الأقطار العربية التي تواجه جحيم الحروب، والصراعات المسلّحة، أو مآسي الإرهاب التكفيري المجنون الممارس والاغتصاب والنهب وتدمير الثقافة والحضارة بمباركة ودعم وتسليح من خارج الأرض العربية وداخلها، أو غطرسة الاستبداد الأناني الذي لا يريد دخول العصر ومتطلباته الحقوقية؟ هل يمكن إجراء تلك المداولات بين فرقاء، بعضهم ضالع في تلك الحروب والمآسي بالمال والعتاد، وبعضهم واقف على الحياد بعجز وقلّة حيلة، وبعضهم رافض ولكن بممارسة واضحة لمبدأ التقيّة خوفاً وهلعاً من أن يصيبه رذاذ الأمواج الهائجة في محيطات بلاد العرب؟
كان الجواب مفجعاً، إذ لن تجري مداولات تخرج أيّ قطر عربي من محنته، وعلى الأغلب ستكون هناك مجاملات، وتمنيات، وأقنعة.
سألت، هل يمكن إجراء مناقشات بشأن حرائق الانقسامات والصراعات، والتراشقات البذيئة الطائفية فيما بين أتباع السنة السنية، وأتباع السنة الشيعية، إذا كان هناك من يسمح لوسائله الإعلامية بإحياء الفتن الكبرى التاريخية، وإذا كان هناك من يعتقد بأن التحالف مع الصهيونية سيرجّح كفة ميزانه، وإذا كان المحايدون يجهلون أن أصول ومناهج التراث السني تنسحب على مقابله الشيعي، وبالتالي فإن الموضوع برمّته مطبوخ في قِدر السياسة؟
ومرة أخرى كان الجواب أن الخروج من عفن الطائفية لن تحسمه مثل تلك المداولات في مثل تلك الظروف التي نعيشها.
سألت، إذاً، ماذا عن الاقتصاد؟ جاء الجواب أننا لا نحتاج إلى مداولات جديدة. كل ما نحتاجه هو أن نقرأ مقررات قمة عمان الاقتصادية في بداية الثمانينات من القرن الماضي، ونطبق نصف ما جاء فيها، بعد أن مَر أكثر من ثلث قرن وتلك القرارات لا تزال نائمة في الأدراج. سألت، وماذا عن التعليم والصحة والثقافة والإعلام؟ كان الجواب أن الطموحات التعاضدية والوحدوية في تلك الحقول هي في يد الوزراء المختصين إذا توفرت الإرادة وقوي الالتزام العروبي، وقل السهاد.
لم أطرح سؤالاً بشأن العلاقات العربية مع الخارج، إذ لم تعد هناك علاقات للتداول بشأنها، وإذ لم تعد هناك موازين العروبة والتناغم القومي والأخوة الإسلامية، بل وحتى حق الجار والإحسان إليه. فكل العلاقات أصبحت تبعية بهذا الشكل أو ذاك.
كل مؤسسات الدنيا تحتاج إلى تعاون مكوناتها وإلى إعلاء المشترك حتى تنجح وتكون مفيدة.
الأمر نفسه ينطبق على مؤسسة القمة العربية التي من الأفضل لها أن تركز على وضع الضوابط والموازين والمحدّدات لمسألتي التعاون والمشترك، وإلا فإن اجتماعاتها لن تقود إلى مداولات مجدية بشأن أيّ من المواضيع التي ذكرنا بعضاً منها.
ولعل الخطوة الأولى، ويا حسرتاه، هي الرجوع إلى المربع الأول، إلى إصلاح الجامعة العربية التي أنهكتها وأضعفتها إحَن، ومِحن، وجنون، وبلادات السنين الأخيرة من مسيرتها، ولا نبالغ إذا قلنا إنها تقترب من الدمار والموت.
أما أدوار المجتمعات والجماعات العربية المتثائبة المسترخية فإنها حكايات تحتاج إلى مجلدات بعناوين لا تعدُ ولا تحصى.
الواقع يقول إن الحاضر هو ما تستطيعه القمة، أما ما تستطيعه المجتمعات فهو المستقبل.. وإنا لمنتظرون.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2287654

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

23 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 25

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010