] يهرف بما لا يعرف - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الثلاثاء 21 شباط (فبراير) 2017

يهرف بما لا يعرف

عيسى الشعيبي
الثلاثاء 21 شباط (فبراير) 2017

ليس من قبيل الذم أو القدح في مقام الرئيس الأميركي الجديد، ولا تحاملاً أو تجنياً على القادم من عالم العقارات، وصف دونالد ترامب بأنه يهرف بما لا يعرف، في كل ما يتحدث عنه، ويغرّد به من مواقف تخص السياسة الخارجية للدولة العظمى الوحيدة؛ بدليل كل هذه الفوضى والارتباك والتناقضات التي تسود أروقة إدارته، وتستبد بفريقه التنفيذي، حيال كل شأن خاضت فيه الولايات المتحدة طوال الشهر الأول من عهد الرئيس الخامس والأربعين.
إذ يبدو ترامب، في أول عهده، كرجل مسلح معصوب العينين، عصبي المزاج، يطلق الرصاص في كل الاتجاهات، ولا يتحسب كثيراً لما قد توقعه الطلقات الطائشة من ضحايا؛ بعضهم من الخصوم، وأكثرهم من الحلفاء للبلد الذي يقود النظام العالمي. الأمر الذي يجعل من أي خطأ يقع فيه الرجل المندفع، كارثة محققة بوزن أميركا ذاتها، لها نتائج فورية وتداعيات واسعة، ليس في الداخل الأميركي فحسب، وإنما في مختلف أرجاء الكرة الأرضية.
كانت آخر تجليات هذه الحالة “الترامبية” العجيبة قد عبّرت عن نفسها في المؤتمر الصحفي المشترك بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي، حين ابّن الأول حل الدولتين، وكسر بذلك سياسة تقليدية متبعة من جانب الرؤساء الأميركيين السابقين، فبدا سيد البيت الأبيض رجلاً خالي الذهن، بسيطاً للغاية، وفظاً بدرجة مثيرة، وغير مدرك لمآلات هذا الطرح المقوّض لقاعدة الحل الواقعي الوحيد، الكفيل بإنهاء الصراع المؤسس لسائر صراعات الشرق الأوسط.
غير أنه لم تمض سوى 24 ساعة، حتى كانت المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة تجدد موقف بلادها المتمسك والداعم لحل الدولتين، في مشهد مماثل لما يعلن ترامب عنه اليوم، ثم يعلن مساعدوه عكسه في اليوم التالي، تماماً على نحو ما صرح به الرئيس غير الملمّ بسياسة بلاده الخارجية إزاء الاتحاد الاوروبي أو حلف “الناتو” أو حتى روسيا، حيث يأتي أحد مساعديه الكبار، على الفور أحياناً، ويعيد وضع القطار الأميركي على السكة الصحيحة.
لا شأن لنا بتناقضات ترامب ومعاركه الكلامية مع منظومة الاستخبارات ومجتمع الإعلام، أو مع المكسيك وكندا والصين، أو غير ذلك من المواجهات المفتوحة بينه وبين القضاء والنساء والنخب الأميركية. لكن ما يهمنا كثيراً هو هذا التبسيط المخلّ بالأسس التي تقوم عليها سياسة أميركا إزاء قضايا هذه المنطقة، وفي مقدمتها قضية فلسطين، رغم كل ما أفرزته هذه السياسة المديدة من خيبات أمل ملأت النفوس، وآخرها الحديث عن صفقة سلام إقليمي، تقفز برعونة عن جوهر الصراع العميق.
صحيح أن الإدارات الأميركية السابقة تمسكت بحل الدولتين طوال الوقت السابق الطويل، ولم تفعل شيئاً إيجابياً في واقع الأمر، إلا أن من الصحيح أيضاً أن التخلي عن حل الدولتين، من دون طرح بديل واقعي، لا ينتج شيئاً على الإطلاق، سوى تشجيع التطرف، وتأجيج نار الكراهية والإرهاب المنظم الذي تقوم به إسرائيل، الأمر الذي سيخلق بالضرورة الموضوعية ردة فعل مقابلة، أحسب أنها تصب الحب كله في طاحونة الأصوليين والإرهابيين، الذين فركوا أيديهم فرحاً بانغلاق الدروب.
إذ بقدر ما كان تراجع ترامب عن حل الدولتين بشرى سارة للمستوطنين وغلاة المتطرفين الإسرائيليين، بقدر ما عكست معالجات ومواقف وتصريحات الأصوليين الفلسطينيين والعرب، لموقف ترامب هذا، مشاعر ابتهاج ومظاهر سعادة غامرة، إن لم نقل التشفّي، بارتكاس المشروع الوطني الاستقلالي الفلسطيني، وانسداد الآفاق أمامه أكثر من ذي قبل، باعتبار أن اليمين الأميركي العنصري قد اصطف بكامل وزنه المرجح مع اليمين الإسرائيلي الفاشي، على نحو يبرر الخطاب اليائس، ويعزز منطق الغلو والمليشيات.
وفي كل الحالات، سيذهب ترامب بعد حين، فيما سيظل الشعب الفلسطيني منزرعاً في الأرض التي هي جوهر الصراع، ولن يؤدي تخلي الرئيس الأميركي أو تمسكه بحل الدولتين، إلى إحداث فارق كبير، طالما أن الكلام كلام، والأقوال غير أفعال.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2328649

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 2

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28