] التحول الأخطر تجاه القضية الفلسطينية .. والذريعة إيران - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الاثنين 20 شباط (فبراير) 2017

التحول الأخطر تجاه القضية الفلسطينية .. والذريعة إيران

خميس التوبي
الاثنين 20 شباط (فبراير) 2017

يمكن القول إن ما تمر به القضية الفلسطينية في راهنها الحالي هو التحول الأخطر على مدى ما يزيد على ستة عقود، في ظل مخطط التكسير والتدمير الممنهج لدول المنطقة، وخاصة الدول العربية الفاعلة التي قدمت تضحيات كبيرة ـ ولا تزال ـ في سبيل القضية الفلسطينية ومناصرة الشعب الفلسطيني.
ولم يكن الانسجام التام في المواقف والرؤى بين الحليفين الاستراتيجيين (الولايات المتحدة وكيان الاحتلال الإسرائيلي) بهذا الانكشاف الواضح والفج، سواء في عهد الرئيس السابق باراك أوباما أو في عهد الرئيس الحالي دونالد ترامب، إلا تعبيرًا واضحًا عن هذا التحول على صعيد القضية الفلسطينية وملف الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وعلى صعيد المنطقة بأسرها.
فالرؤية الجديدة والبديلة التي طرحها الحليفان الاستراتيجيان على لسان ترامب وبنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي وهي “الدولة الواحدة” التي يجب أن تستوعب فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي يجب أن تكون “يهودية” تعد أولى الخطوات العملية للتحول نحو التصفية النهائية للقضية الفلسطينية، بعد مراحل اشتغل عليها الحليفان منذ اتفاقيات أوسلو مرورًا بما يسمى خطة “خريطة الطريق” ثم رؤية “حل الدولتين”، وصولًا إلى الرؤية الأخيرة وهي “الدولة اليهودية الواحدة”. واللافت هنا أن كل رئيس أميركي يشتغل مع حليفه الإسرائيلي على برنامج عمل تصفوي يحمل عنوانًا خادعًا، فيأتي بعده رئيس آخر يكمل البرنامج ذاته، ولكن بعنوان آخر خادع وهكذا دواليك. فقد اتخذ الرئيس الأسبق جورج بوش “الصغير” من خديعة خطة “خريطة الطريق” عنوانًا عريضًا وفضفاضًا، أخذ الفلسطينيون والعرب يلهثون وراء سرابه، مقدِّمين التنازلات المؤلمة على حساب الأمن القومي العربي، وعلى حساب التنمية والاقتصاد والاستقرار.
فخطة “خريطة الطريق” كانت تدشينًا أميركيًّا ـ صهيونيًّا لعقد المصائب الكبرى في المنطقة، وذلك بتصفية العراق وإخراجه من المعادلات العربية والإقليمية والدولية، ومن معادلة الصراع العربي ـ الإسرائيلي تحديدًا. وحين نقول تصفية العراق، إنما نعني به محو كل عناصر قوة الدولة ومقوماتها، بداية من مواردها البشرية وكفاءاتها وخبراتها العلمية، ثم ثرواتها وأسلحتها وتفكيك جيشها على النحو الذي رآه وتابعه الجميع. وبعيدًا عن المبالغة، فالعراق اليوم بات دولة تبحث عن نفسها وسط الحريق المتدحرج الذي أخذ يأكل الأخضر واليابس في المنطقة.
أما رؤية “حل الدولتين” التي رفعها عنوانًا خادعًا الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وكانت استكمالًا لخطة “خريطة الطريق”، فقد أسفرت عن تدمير المنطقة عبر ما سمي زورًا “الربيع العربي” وتوسيع نطاق الفتن الطائفية والمذهبية ليشمل رقعة شطرنج المنطقة بأسرها، وإنتاج الإرهاب واستنسال تنظيماته من رحم تنظيم القاعدة الإرهابي، والتحول نحو إنتاج عصر جديد من الحروب غير العسكرية وغير التقليدية التي جرَّت خسائر هائلة للولايات المتحدة في أفغانستان والعراق؛ فنتج عن ملهاة وخديعة “حل الدولتين” وحروب الإرهاب التي دعمتها واشنطن استكمال تدمير الدول التي نالت شرف الذود عن شرف الأمة وعرضها وكرامتها، كما هو الحال في ليبيا وسوريا واليمن ولبنان والحبل على الجرار. ويتوازى مع هذا التدمير، نهب الأراضي الفلسطينية وتهويدها وطمس هويتها العربية والإسلامية وحتى المسيحية، حيث انطلقت آلة الاستعمار الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية بسرعة فائقة وغير مسبوقة في ظل خديعة “حل الدولتين” لِتُتوج هذه الرؤية بدعم عسكري أميركي ضخم لكيان الاحتلال الإسرائيلي، حيث كان نصيب “القبة الحديدية” وحدها أكثر من ستمئة مليون دولار لاعتراض الصواريخ متوسطة المدى، ناهيك عن طائرات “أف 35″ المتطورة التي تعد آخر ما أنتجته تكنولوجيا السلاح الأميركي، بالإضافة إلى معونات أميركية لإسرائيل بقيمة 3.8 مليار دولار سنويًّا على مدار السنوات العشر القادمة. هذا الدعم الأميركي السخي وغير المسبوق من قبل إدارة أوباما كان مسك ختام برنامج عملها الملتزم مع الحليف الإسرائيلي بتصفية القضية الفلسطينية المسمى بـ”حل الرؤيتين”، مثلما كانت رسالة الضمانات من بوش “الصغير” لأرييل شارون رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي آنذاك مسك ختام برنامج عملها التصفوي المسمى بـ”خريطة الطريق”، والتي (أي الرسالة) شطب فيها بوش حق العودة للاجئين الفلسطينيين وحدود عام 1967م.
إذًا، الفلسطينيون والعرب على أعتاب برنامج عمل جديد بعنوانه الخادع والعريض “الدولة اليهودية الواحدة” التي ستضم حوالي مليوني فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، والمزاج العام الأميركي ـ الإسرائيلي ـ وبعض العربي يتجه إلى استنساخ الأبجديات “البوشية” التي سُيِّرَتْ وفقها “خريطة الطريق” بمعاداة إيران وتصنيفها مع كوريا الشمالية بأنها “محور الشر”، حيث مقتضيات تنفيذ رؤية “الدولة اليهودية الواحدة” تتجه مرة أخرى إلى معاداة إيران، وتخندق الأعراب في خندق العداء الصهيو ـ أميركي؛ ففي عهد “خريطة الطريق” سقط العراق وأُبيد عن بكرة أبيه، وحصد العرب الذل والهوان، وبقيت إيران قوة عسكرية واقتصادية شامخة تناطح الغرب المتصهين المعادي لها، وفي عهد “الدولة اليهودية الواحدة” ستسقط دول سياسيًّا وأخلاقيًّا واقتصاديًّا، وإذا كان في عهدي بوش وأوباما قد استنزفت خزائن البترودولار التي هي حق الشعوب، فإن عهد ترامب يسعى إلى توجيه ضربة ماحقة للقضية الفلسطينية وتجفيف ضروع البترودولار إيذانًا بذبحها، وستخرج إيران أيضًا أقوى.
المثير للضحك، مع كل ذلك، هو موقف السلطة الفلسطينية بإعلان تمسكها بخيار “حل الدولتين” الذي لا تزال تعيش أوهامه، متجاهلة ما حصدته بالأمس من “خريطة الطريق” التي ظلت تنادي وتتمسك بها في كل محفل، ومتجاهلة أن هذا الخيار قد نعاه ترامب ونتنياهو، وأن خيار “الدولة اليهودية الواحدة” يعمل معلناه على تدريعه وتنفيذه بتحالف أميركي ـ إسرائيلي ـ عربي.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2287654

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

39 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 36

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010