] ترامب: “الغش” والروس وأربع جبهات - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الخميس 16 شباط (فبراير) 2017

ترامب: “الغش” والروس وأربع جبهات

د. احمد جميل عزام
الخميس 16 شباط (فبراير) 2017

من قصص دونالد ترامب التي تثير سخرية وارتباكا في آن واحد لدى بعض من يتوقف عندها، موضوع “انتحال” زوجته ملينيا، السلوفينية (اليوغسلافية) الأصل، عندما ألقت أثناء الحملة الانتخابية وفي مؤتمر الحزب الجمهوري العام الماضي، خطاباً تضمن فقرة مطابقة لفقرة في خطاب ألقته ميشيل أوباما في مؤتمر الحزب الديمقراطي العام 2008، أثناء ترشح زوجها للرئاسة الأميركية. وإذا كانت هذه القصة تثير الاستغراب من حيث هشاشة أداء حملة ترامب، رغم فوزه في النهاية، فإنّ ما يثير الحيرة والغضب والسخرية في آن عندما حوّل ترامب الموضوع إلى نكتة وهو يتحدث في خطاب بعد فوزه، مهاجماً كبرى وسائل الإعلام الأميركية، قائلا إنّه لا يفهم لماذا عندما قالت أوباما أمرا صفقوا لها، وعندما قالت زوجته الشيء ذاته أثاروا ضجة كبرى. فقصة انتحال خطاب أوباما هي قصة غش تقليدية، يجري تحذير الطلبة في الجامعات منها دائماً ومعاقبتهم لأجلها، ويجري تحذيرهم بضرورة عدم الاستخفاف بالأمر والاعتقاد أنّ محاولتهم ستمر؛ ورد فعل الرئيس الأميركي هو استهزاءٌ وسخرية بكل القيم الأخلاقية والسياسية المحيطة بالموضوع. وهذه القصة تجسّد كيف يقف ترامب أمام قوتين أساسيتين في المجتمع: الأولى، الإعلام ومؤسساته الكبرى؛ والثانية، المؤسسة التعليمية والأكاديمية والفكرية.
يواجه ترامب أربع قوى أساسية داخل الولايات المتحدة الأميركية، ترد على هجومه وشتائمه وسخريته. وهذه القوى هي، أولا، جزء من الشارع، والمؤسسة الحكومية العميقة، والنخب السياسية التقليدية، والإعلام.
في حلقة جديدة، وغالبا لن تكون الأخيرة بل قد تكون مجرد بداية، استقال مستشار الأمن القومي الأميركي مايكل فلين، بسبب كشف الاستخبارات ووزارة العدل الأميركية علاقاته واتصالاته المكثفة مع الروس، بما في ذلك الدبلوماسيون والاستخبارات الروسية. وفلين في الواقع قبل هذا جاء إلى موقعه رغم، وربما بسبب، علاقاته السيئة داخل مجتمع الاستخبارات الأميركية، ومع المؤسسات الأميركية المعنية بالأمن والسياسة الخارجية؛ فهو كان مديرا للاستخبارات العسكرية في عهد أوباما، لكنه استقال، أو طُلب إليه الاستقالة، العام 2014، قبل عام من موعد استقالته؛ لأسباب منها عدم انسجامه مع العاملين معه، وبسبب سلوكه المسيء لمن حوله. وهو سلوك ينم عن شخصية تشبه الصورة المتشكلة عن الرئيس ترامب. والتربص بفلين وتتبعه من قبل من كان يعملون معه بالأمس، هو تحدٍ من هؤلاء يرد على تحدي ترامب بتعيينه. والأهم في قصة فلين، أنّ مغادرته أعقبتها وتعقبها أنباء جديدة عن اتصالات كثيرة مشبوهة أجراها أعضاء بارزون في فريق ترامب مع الاستخبارات الروسية.
رغم تصريح الأجهزة الأميركية المعنية بأنّ هذه المعلومات تأتي في سياق متابعة روتينية للمكالمات الهاتفية وللعاملين في الاستخبارات في الدول الأخرى مثل روسيا، فإنها تنم عن معركة باتت مفتوحة بين الأجهزة الأمنية وفريق ترامب، توجه في أقل تقدير رسالة “إننا نراقبكم ونعرف عنكم”.
هذه “الحرب” هي التعبير عن الجبهة الأولى التي تُشن ضد ترامب، وتسمى في بعض أدبيات السياسة “الدولة العميقة”؛ حيث المؤسسات الأمنية والبيروقراطية لا تمرر السياسات والتوجهات للقيادة السياسية، خصوصاً إذا كانت جديدة وتغاير العقيدة الأمنية القائمة. وليس كشف اتصالات ترامب وفريقه المشبوهة مع الروس إلا مثال. وثمة مثال آخر هو توقيع مئات العاملين في وزارة الخارجية الأميركية داخل واشنطن وفي السفارات حول العالم مذكرة تعارض سياسات ترامب.
أما الجهة الثانية، فهي الإعلام. ويلاحظ بوضوح الدور الذي تلعبه صحيفتا “واشنطن بوست” و“نيويورك تايمز”، في مهاجمة و“فضح” ترامب وفريقه.
والجهة الثالثة، هي النخب السياسية التقليدية، خصوصاً في الحزب الديمقراطي المعارض، ولكن أيضا داخل الحزب الجمهوري ذاته. وحتى بين اليمينيين المتشددين في الحزب يوجد من يخشى من سياسات واندفاعات ترامب.
والجهة الرابعة هي الشارع والمجتمع المدني الذي قام بتظاهرات كبيرة ضد ترامب. ورغم تركيز كثيرين حول العالم على أهمية هذه التظاهرات، فالواقع أن القوى الثلاث الأولى هي الأهم والأكثر فاعلية الآن، ويتصدر البيروقراطيون والأمنيون المشهد حاليا، بمساعدة الإعلاميين. أما المجتمع المدني فيشعر بقلق على قيمه وتقاليده وأعرافه؛ بدءا من الأمانة العلمية وحتى الأخلاق العامة، وهو سيكون مصدرا للشرعية والتحفيز للقوى الثلاث الأخرى في هجومها الذي يشكل المشهد الأميركي حالياً.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2287654

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

31 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 27

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010