] الجديد في «الزمن الأمريكي» - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الجمعة 3 شباط (فبراير) 2017

الجديد في «الزمن الأمريكي»

د.نسيم الخوري
الجمعة 3 شباط (فبراير) 2017

ما زال الإرهاب، النووي وأسلحة الدمار الشامل، تبييض الأموال، النزوح الدولي، الحرية والديمقراطية هي المفاتيح الخمسة التي يمكن التقاطها عند أطراف النجمة للدخول إلى عقل الولايات المتحدة وفلسفتها واستراتيجيات تعاملها مع دول الشرق الأوسط. وهنا يبرز دور الجامعات في تغيير العقول والسلوك، ونضع تحت الجامعات الخطّ العريض في التغيير.
وإذا كانت هذه المفاتيح معلّقة بسلسال تاريخي تُدخل أنظمة الدول فيها أعناقها حلقات تلو حلقات، فإن الناس ما عادوا قادرين على الخروج للتظاهر في شوارع العواصم العربيّة ولا عاد التظاهر وحرق الأعلام الأمريكية و«الإسرائيلية» يعني الكثير في تغيير الدول لسياساتها. إنّه يعني المزيد من الأرباح للمطابع وشركات فبركة الصور والأعلام. كنّا نستلّ السبحات للصلاة لأنّ أخطاراً خمسة كانت ترشح من أمريكا تمهّد بها لبلاط «النظام الدولي الجديد» وهي: القوة العسكرية الأحاديّة لأمريكا، النفط، حماية «إسرائيل»، منع أية قوّة عظمى أخرى من الظهور، العبث بالقيم والأديان في الأرض تكريساً لمصلحة القيم الأمريكية. يتغيّر الرؤساء لكنّ الأفكار لا تتغيّر وهي تتجاوز الأشخاص والرؤساء والنخب الحاكمة.
مقابل حدود النجمة الأمريكية، خمس مهام أخرى، كان يسهل قراءتها (لمن يقرأ) وإدراكها بفهم تقفي الخطى الأمريكية بين أفغانستان والعراق وإيران وسوريا وليبيا، وهي كانت تبدو نافرة في «دليل التخطيط العسكري» الذي وضعه بول وولفويتز بعد انقضاء الحرب الباردة (1991)، طارحاً فيه بغداد الخطوة الأهمّ لامتحان القوة الأمريكية.
عندما تسرّبت «وثيقة الدليل»، حرص البيت الأبيض، يومها، على إعادة صياغتها مسقطاً منها مبدأ حصر القوة بأمريكا، وكانت الخطوة الأولى قيادة جورج بوش الأوّل حرب تحالف ال33 دولة على العراق لإخراجه من الكويت معلناً بذلك قيادته للعالم.
استمرّ عدد كبير من الباحثين وأساتذة الجامعات يضعون خططهم وأفكارهم في رسم السياسة الأمريكية، علماً أنهم كانوا خارج الإدارة في عهد بيل كلينتون. كانت أسماؤهم معروفة، وأبرزهم جيمس وولسلي (المدير الأسبق للمخابرات الأمريكية)، ديك تشيني، ريتشارد بيرل، دوغلاس فيث، إيليوت أبرامز، وولفويتز، إيرفنغ كريستول، مايكل لادين وغيرهم ممّن تكتّلوا فيما بعد باسم «المحافظين الجدد». وكانوا على ارتباط وثيق ب«معهد المشاريع الأمريكية» وهو من أهم مراكز الأبحاث الاستراتيجية في الولايات المتحدة، وفاعل في رسم السياسات الأمريكية وانتقاء أصحاب السلطة من النخب، منذ أن أنشأه «لويس براون» في العام 1943. وقد أسس هؤلاء الباحثون الكبار، بالتعاون مع شركات النفط الأمريكية ومصانع الأسلحة الضخمة، منظمتهم التي حاولت تقديم أمريكا قائدة العالم، وتغيير الأنظمة غير المرغوب فيها، والسيطرة على منابع الطاقة، وعسكرة الفضاء، إلى عناوين كبرى حملت اسم: «الزمن الأمريكي الجديد».

ماذا تغيّر حتّى الآن؟

يبدو أنّ الدول العظمى هي مثل الأفراد تخضع في أفكارها وتطلعاتها إلى أحجامها الجغرافية، وغالباً ما تأتي أفكارها مشوبة حكماً بالإسقاطات والأحلام الكثيرة. لم يتغيّر شيء!
الأمريكي لا يمكنه أن يفكّر إلاّ بشكل كبير!
أليست أمريكا صاحبة الاسم الأكبر في العالم، وهي التي كانت تعتبر نفسها الدولة العظمى الأكبر في العالم؟ أليست أمريكا صاحبة أكبر عربات فارهة في العالم، وصاحبة أكبر جادات، وأكبر ثلاجات في العالم، وفيها أعلى برجين سقطا مثلما سقط برج بابل وتبلبلت ألسن البشر ومسلمي العالم تحديداً بعد التفجير، وتذكّرنا يومها كيف تبلبلت ألسن البشرية للمرّة الأولى في بلاد مابين النهرين عندما سعى أهلها للارتقاء إلى السماء؟
وكأنّ الولايات المتّحدة كانت تضمر في لاوعيها عند سقوط البرجين فيها بأنّها لا تقبل المصيبة فيها إلاّ عندما تكون أكبر مصيبةٍ في التاريخ المعاصر بالرغم من أسئلة الاستفهام اللامنتهية والأضاليل والأساطير الكثيرة والأسرار المدفونة مع أكبر كتلة بشرية ورمادية سقطت تحت ركام البرجين.
ولهذا كان من الطبيعي قراءة هذا الاعتداد الدولي الأمريكي بالكثير من الخوف، الذي قادنا في ذلك الزمن الصعب إلى فكر «ليو ستراوس»، الصديق الحميم ل«لويس براون» صاحب المقاولات أو المقاولات السياسية الأمريكية المشار إليه؟
وللتذكير نسأل: من هو ستراوس؟
هو أستاذ جامعي يهودي، ترك ألمانيا النازية إلى أمريكا (1940)، وراح يحاضر في جامعة شيكاغو، ويشرف على أطروحات الدكتوراه في الميادين الفلسفية. وقد أسس لفلسفة ألصقها باسمه بفضل طلابه من مختلف الجنسيات الذين تحمسوا كثيراً لأفكاره التي تنضج بالفكر والسلوك الأمريكي الذي نعاينه تباعاً في منطقتنا وفي العالم.

لنتذكّر تعاليم ستراوس؟

1- يعيد ستراوس الاعتبار للفلسفة ويحاول تخليصها من براثن الحداثة داعياً إلى فتح نوافذ المعرفة للعاديين من البشر وجعلها مادةً كبرى في تكوين السياسة وتطوير الدول وإتّخاذ القرارات.
2- كرّس يقظة الفكر الديني واعتبرها ملاط المجتمعات وعقائدها المختلفة المتباينة التي تسهّل بل تؤمّن النزاعات العسكرية بين الأديان وأهل الدين الواحد. وفي رأيه أنّ الناس لا يجازفون بأرواحهم وممتلكاتهم إلاّ إذا رميتهم في النزاعات المذهبية والدينية، وكلّهم موعودون بالجنّة.
3- لا مكان للأخلاق في السياسة، بل للخداع والكذب وفنون المراوغة والتسويف. وتقتصر الحقيقة على النخبة الباحثة الحاكمة بمبدأ أنّ القوي يحكم الضعيف. ولا تؤول السياسة إلى خواتيمها النبيلة إلاّ بجرّ القادة إلى الدخول في محور الشرّ والاستغراق فيه كي يحسنوا اتّهام الآخرين بالشرور.
وقد لا ندرك حتّى الآن القيمة التغيريّة للمظاهرات في عواصم الغرب الرافضة لسياسيات دونالد ترامب ومراسيمه المذيّلة بتواقيعه القاسية والمكشوفة أمام الشاشات لتراها عيون البشرية، بمظهريّة فيها الكثير من التحدّي .
ما هو الجديد؟ لا جديد في الزمن الأمريكي ولو تجدّد الرؤساء.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 49 / 2323729

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 18

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28