] مراسيم ترامب الوجه الحقيقي لأميركا - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الخميس 2 شباط (فبراير) 2017

مراسيم ترامب الوجه الحقيقي لأميركا

خميس التوبي
الخميس 2 شباط (فبراير) 2017

لخضات التي خلقتها مراسيم الرئيس الأميركي دونالد ترامب وخاصة مرسوم الهجرة الذي يقضي بمنع دخول مواطني سبع دول عربية إلى الولايات المتحدة، هي نتيجة طبيعية لأي قرار مفاجئ يلغي وضعًا اعتاد عليه الناس، إلا أن هذه المراسيم “الترامبية”في حقيقتها وصيرورتها تعكس الوجه الحقيقي للولايات المتحدة، لا سيما وأنها قد سبق التمهيد لها أثناء الحملة الانتخابية للرئيس ترامب، ووفق برنامج الحملة اختارت الولايات المتحدة رجلها الذي تتطلع إليه في قيادتها خلال هذه المرحلة نحو استعادة هيمنتها وسطوتها العالمية، ولو كانت الولايات المتحدة أو بالأحرى موجِّهو السياسة الأميركية وصنَّاعها يضعون ألف حساب لما سيترتب عليه من نتائج تضفي مزيدًا من القبح على الوجه الأميركي، لكان الخيار المقابل (وأعني به البرنامج الديمقراطي الذي أعلنته المرشحة هيلاري كلينتون) هو الأنسب استكمالًا لمرحلة باراك أوباما، من حيث ما يشتهيه الحلفاء والأصدقاء، ويطمحون إلى أن تقوم به الولايات المتحدة إشباعًا لنزواتهم وخاصة العدوانية.
إن مرسوم الهجرة الذي وقعه الرئيس ترامب ويحظر على مواطني سبع دول عربية واسلامية من دخول الولايات المتحدة ذات أغلبية مسلمة، وهي “إيران والعراق وليبيا والصومال والسودان وسوريا واليمن” لمدة ثلاثة أشهر، ليس سوى رأس جبل الجليد الطافي؛ فترامب لم تمر على تسلمه السلطة إلا أيام معدودة، ولايزال أمامه أربع سنوات، من الممكن خلالها مطالعة مراسيم وقرارات وتصريحات ومواقف قد تضر بالاستقرار العالمي المهزوز، وتمس أكثر بالأمن والسلم الدوليين، وبالوضع الاقتصادي والسياسي العالمي، ولكنها لدى صانع السياسة الأميركية وموجهها ومنفذها لا تخدم إلا الولايات المتحدة وحليفها الاستراتيجي؛ كيان الاحتلال الصهيوني.
وبالعودة إلى طبيعة مرسوم الهجرة وحقيقته، نجد أن المرسوم حدد سبع دول ذات أغلبية مسلمة ـ حسب نص المرسوم ـ وهذا في حده يؤكد ما قلته في مقالات سابقة بأن إدارة ترامب هي نسخة من إدارة جورج بوش “الصغير” من حيث نظرتها إلى الإسلام والمقاومة، والدول التي تناصر القضايا العادلة في المنطقة وخاصة القضية الفلسطينية وتدعم الشعب الفلسطيني ومقاومته، وبالتالي المرسوم في جوهره فيه تمهيد لاحتمال شن حرب صليبية جديدة من هذا المدخل، وتكريس محاربة مقاومة مشروع الاحتلال الصهيوني في المنطقة. كما ينضح المرسوم عنصرية مقيتة، ونفاقًا وتناقضًا مريرين، من حيث حصره في الدول الضحايا للغزوات والحروب العسكرية والإرهابية والعقوبات الاقتصادية التي شنتها الولايات المتحدة عليها بمساعدة معروفة ومكشوفة من دول تعد منبع التطرف والإرهاب وداعمة له لم يشملها المرسوم. فكما هو معروف لكل ذي عقل وبصيرة، ولكل البسطاء من الناس، أن دولًا كالعراق وسوريا وليبيا واليمن والصومال والسودان كانت مستقرة آمنة مطمئنة، ولم تكن تعرف الإرهاب والعنف والتطرف، إلا بعد شن أميركا حروبها الغاشمة عليها، مستكملة حروبها هذه بجلب تنظيم القاعدة الإرهابي، وتوليد العديد من التنظيمات الإرهابية من رحم القاعدة، وبذر بذور الفتن الطائفية والمذهبية المقيتة بين أبناء المجتمع الواحد، وذلك لكي يسهل على واشنطن تفسيخ الدولة المستهدفة وتفكيكها وتحويلها إلى كانتونات قزمية طائفية تتقاتل فيما بينها، في حين تبقى ثرواتها ومقدراتها بيد الاستعمار والامبريالية الأميركية، ويبقى كيان الاحتلال الصهيوني ومشروعه الاحتلالي بالمنطقة في مأمن وبعيدًا عن أي مهددات؛ ولذلك لا يمكن فهم مرسوم منع الهجرة “الترامبي” إلا بأنه تكريس لحالة العداء والكراهية للدول التي شملها، وتعميق للتحالف الاستراتيجي مع كيان الاحتلال الصهيوني، وإرضاء للنزعة الإسرائيلية المستبدة والحاقدة، مع أهمية الإشارة هنا إلى أن الولايات المتحدة تظهر ـ والحال هذه ـ أنها تصنع القلاقل والحروب والمشاكل والإرهاب وتصدرها إلى الدول التي تستهدفها وتجعل غيرها يدفع ثمن ذلك، كما هو حال أوروبا التي هي ـ كالعادة ـ بمثابة المكنسة التي تقوم بتنظيف مسرح الجريمة الأميركية. فملايين اللاجئين في القارة العجوز بقدر ما سيسهمون في التنمية والصناعة، بقدر ما يمثلون بصورة أكبر عبئًا على اقتصادها المتداعي، وخطراً لاندساس العديد من الإرهابيين بين هؤلاء اللاجئين.
إذًا، ما صدر وما سيصدر عن البيت الأبيض من مراسيم وقرارات ومواقف، لا يعني الخروج على المؤسسة السياسية التقليدية، وإنما يعكس تبلور اتجاه سياسي أميركي صاعد تسعى عبره الشعبوية السياسية إلى الكثير من الاستعراض والسخرية الكلبيَّة والسطحية السياسية مع رهاب الأجانب والمهاجرين واللاجئين والشعوب الأخرى، وتملُّق المشاعر العنصرية للجمهور العام الأميركي وللوبي الصهيوني، والتخلِّي عن الالتزامات الإنسانية نحو العالم، وهو اتجاه يستعد لملاقاة نظيره في أوروبا التي وصفها دونالد رامسفيلد وزير الدفاع في إدارة جورج بوش “الصغير” بـ”أوروبا القديمة أو العجوز”.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 41 / 2287654

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

29 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 27

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010