] أساليب ومناهج شعبية - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الجمعة 11 كانون الأول (ديسمبر) 2015

أساليب ومناهج شعبية

بقلم: احمد جميل عزم
الجمعة 11 كانون الأول (ديسمبر) 2015

قالت فتاة جامعية في رام الله، هذا الأسبوع: “لا نعيش جميعاً تحت الاحتلال”. أسأل: ماذا تقصدين؟ ترد: تكون على الحاجز، يأتي شخص معه بطاقة تنسيق ويمر؛ هناك من يعاني تحت الاحتلال، وهناك من لا يعاني، والحاجز ليس إلا مثالا.
تلاحقني خاطرة لدرجة اقتحامها الأحلام ليلاً؛ ليست فكرة وتفكيرا، بل مجرد “خيال” غامض، ماذا لو كان خليل الوزير يعيش في زمن الإنترنت والـ“إيميل”؟! ربما تكون الخاطرة مركبة فيها “نوستالوجيا” الماضي. ويصفعني حديث صديقة “شعبنا ليس بعاقر”، حتى نبقى نتحدث عن الماضي وقادته. وفي الخاطرة سؤال أعقد: “ما هي بنية الحركة الثورية أو الشعبية في عصر الشبكات والعولمة وما بعد الحرب الباردة والأيديولوجيا... إلخ؟!”.
في انتفاضة العام 1987 التي نعيش ذكراها هذه الأيام، صدرت أغنيات ظلت سجلا ثوريّاً. بعضها، وخصوصاً ما صدر داخل الوطن المحتل، تضمن مناهج ومبادئ عمل، وبرامج سياسية، من ضمنها شريط “دولة” الذي صدر حينها بصوت طالب الهندسة في جامعة بيرزيت ثائر البرغوثي، بتعاون في التأليف والتلحين مع والده، وبشكل شبه سري وقتها. وإذا كانت كل أغنيات الشريط تتضمن رسائل سياسية محددة، فإنّ إحداها تشكل برنامج عمل كامل، هي أغنية “نزلوا صبايا وشبان”. إذ فيها ما قد تتضمنه أي خطة أو أي “سياسات عامة”؛ هناك عناصر مثل الأهداف، والجمهور، والفلسفة، والأدوات، والعوائق والمشكلات التي تبرز أثناء تنفيذ السياسات... إلخ.
تحدد الأغنية الجمهور المستهدف، أي الذين تخدمهم “السياسة” ويشتركون في التنفيذ، “نزلوا صبايا وشبان يتحدوا للدورية”؛ ثم الفئات الأكبر سنّاً “صبية وحجة وختيار.. للشباب بجيبوا حجار”. وفي إشارة كيف يمكن أن يشارك الجميع في المعركة، من دون توقع دور متشابه لكل الشرائح: “بيوت الجرحى بنزور يوم الإضراب الشامل”، مع تحديد “اللجان الشعبية” كإطار عمل.
كذلك، هناك تحديد للأهداف؛ منها ما هو استراتيجي “لا للإمبريالية”، و“الحرية مطلبنا عنها لا يمكن نحيد”، وهناك أهداف قصيرة المدى محددة، “مطلب تقرير المصير، وحق العودة والدولة.. بنسير للمؤتمر الدولي”.
كانت هناك جرأة وذكاء في تحديد الأدوات “نزلوا ما معهم رصاص يتحدوا للدبابة، عملوا بالشارع متراس وتصدوا للعصابة، وسلاحهم كله حجارة”. وكذلك “عملوا بوسط الشارع سد بالإطارات الشعلانة، وعالدورية كان الرد كبسية بالقناني”. وهناك أيضاً “مظاهرات وصدام، وكتابة (على الجدران) وتعليق علام”.
كان يوجد بعدٌ معنوي يحدد بعض الانتصارات الصغيرة التي تحققت. مثلا، هناك كثيرون يعلمون أنّ الإسرائيليين كانوا يدخلون قلب المدن الفلسطينية لارتياد المطاعم والمقاهي والتسوق، وكانت هناك بنوك إسرائيلية في قلب المدن، وتشير الأغنية “بالزنود القوية، حرروا المنارة”، في إشارة لدوار المنارة، المركز الحيوي بين مدينتي “رام الله” و“البيرة”، وكيف صار وصوله مستحيلا على الإسرائيليين صعباً على الجنود. وفي نطاق تحديد الإنجازات السياسية “تغذينا بفكر جديد .. وقضيتنا فرضنا عالهيئات الدولية”.
كانت هناك حلول عملية للعوائق والعقبات التي برزت. فمثلا، رداً على إغلاق المدارس والجامعات، كان الجواب: “الشوارع مدارس والحصص انتفاضة، والرياضة بنمارس، وضرب الحجارة رياضة، مهما تمارس إسرائيل من سياسات التجهيل، جيل بيتعلم من جيل، باللجان الشعبية”.
مما لا شك فيه أنّ تلك الانتفاضة كانت لحظة “عبقرية”، فيها التقاء الكثير من العوامل والتراكمات الناتجة عن جهد واع، نضالي، شعبي، وطني؛ فالجامعات لم تكن تسير عشوائياً، بل كانت هناك عملية تثوير منهجية. كما في النقابات والإعلام، وبدرجة أقل كثيراً في الاقتصاد. وكانت الأندية الشبابية جزءا من عملية واعية هادفة، وكانت هناك بنى تنظيمية فصائلية. وبالتالي، عندما اندلعت الانتفاضة من دون تخطيط، كان ممكناً جداً إعادة تأطيرها سريعاً وبوضوح، لدرجة أن تستطيع أغنيات أن تستوعبها وتروج لها.
إذن، فالحالة الانتفاضية الراهنة التي هي في جزء منها إرث نضالي للحركة الوطنية وفصائلها، ولحركة وطنية حية، كانت تنتظر عمليات واعية للانسحاب من الاتفاقيات السلمية التي يقر من توصل إليها أنّ الطرف الآخر لا يلتزم بها ولا يريد إتمامها. وبالتالي، تجدر العودة ليعيش الجميع في مركب واحد في مواجهة الاحتلال، ومن دون أن يلتف أحد فردياً عليه، وبحيث يتم إدراك متغيرات العصر الدولية والمعولمة، وتغيرات النظام الدولي، ووضع البنية التنظيمية اللازمة لذلك.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 61 / 2287654

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

28 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 18

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010