] النوم فوق سؤال بدلاً من الوسادة - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 21 كانون الثاني (يناير) 2017

النوم فوق سؤال بدلاً من الوسادة

د. نسيم الخوري
السبت 21 كانون الثاني (يناير) 2017

أين أذهب؟ بل أين نذهب؟ سؤال مطروح بصيغة المفرد أو بصيغة الجمع ، ويكاد يحضر تحت الكثير من الوسائد والهواجس لا في بلاد العرب والمسلمين وحسب، بل في عواصم وبلاد العالم ككل. سبب السؤال معروف: الإرهاب والضرب العشوائي. يطرق الإرهابيون كلّ الأبواب في العالم، وجعلوا مسألة تعريف الإرهاب أو التفاهم الدولي حوله قضيّة أكثر من معقّدة ولا قيمة لها. تزداد تعقيداً لتصبح وجهة نظر للتباين والشروخ التي تعمّ العالم، وفي آخرها خطب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بحماسة لا تخلو من الاستسهال والفجاجة والمخاطرة في مقاربة أخطر ما يواجه العقل المعاصر
في رحلة متابعة المشاهد بل الحقائق الخطرة التي تحوق بنا جميعاً، يحقّ لكلّ منّا في هذا المحيط العربي الذي تتوسّع فيه الحرائق وأصناف القتل والتفجير العبثي للتخريب، وفي ظلّ تباطؤ وغموض دولي أن يطرح على نفسه السؤال الآتي:
أين أذهب عندما يقرع الإرهاب بابي أو تخوم مدينتي أو وطني؟ أتصوّر أنّ الجواب، بالرغم من واقعية السؤال، لم يعد سؤالاً محتملاً أو خيالياً ، لطالما هو يطرح في كلّ يوم في سوريا والعراق ولبنان واليمن وتركيا وإيران وفرنسا وأوروبا وأمريكا ، وفي العواصم والمدن الكثيرة الخائفة التي يستهلك أهلوها التفكير في كيفيّة معالجة هذه الظاهرة التي وحّدت البشر حول القلق.
هناك من سيقاتل حتّى الموت سواء سمّوه شهيداً أو ضحيّة ومهما كان شكل موته وظروفه ، لأنّ الحصار يضرب الأمكنة كلّها والمخاطر لا تتعدّى الشعرة بين الموت والحياة. ونعتقد، في هذا المجال، أنّ استغراق الإعلام في إظهار مشاهد العنف والإرهاب والمغالاة فيه، يكاد يفرغ الموت من معانيه وأحزانه لدى بعض الفئات وهو ربّما صار أزهى من الحياة وأبلغ، أو صار، بالمعنى الطقوسي، معادلاً للفرح والسعادة حيث لا دموع ولا آهات ولا صرخات وأوجاع، بل التبريك والشكر لسهولة الانتقال إلى الجنّة الموعودة المحفوفة بالأحلام والثقافة والصور الجميلة.
وصلنا إلى زمنٍ نصادف فيه أمّاً «تزغرد» وتوزّع الحلوى شاكرة الله على شهادة ابنها وإعلانها بأنها على استعداد لتقديم من تبقّى من أولادها إلى الشهادة من ناحية، ومن ناحية أخرى نشهد إقبالاً على الانخراط في الموت بكونه ثقافة سهلة ؟ بصراحة أكاديمية نحن بحاجة إلى أطروحات دكتوراه في علوم النفس والفلسفة والاجتماع لاستيعاب كامل لتلك الأمور والمظاهر التي بات يألفها الناس. لكنّ القول والكتابة يفترقان قطعاً عن الفعل.
قد نصادف من يقتل نفسه وعائلته قبل أن يدهمه الإرهابيون أو يقع في مباغتهم، وهناك من يستسلم بصلواته إلى القدر الذي جعله كما جعل قومه من نصيب الغياب المسالم، وهناك من يقوّي قلبه بالغرب أو بالقوى الخارجية التي لا يمكنها أن تترك لجحافل التكفيريين حبال التخريب على مشارقهم ومغاربهم، فنراهم يتوزّعون على أبواب السفارات بالألوف بحثاً عن إمكانات الهجرة إلى أرصفة الدنيا وأرجائها الواسعة، أو إلى أقاربهم الذين بالكاد كانوا يعرفونهم أو يراسلونهم. طبعاً المسألة على ارتباط بالوضع المالي والاجتماعي للسائل، لكنّ السؤال نفسه قد يطرح بحدّة ولجاجة أكثر على الموفورين والنخب العربيّة، والسبب أنّ العبسة والسلوك الغربي المزدري بشكل عام حيال الكثيرين منّا في العواصم الأوروبية والغربية، بعدما تداخلت الأمور بين المسلمين والغربيين ، بات العربي أو المسلم بشكل عام مسكوناً بنتيجة واحدة منذ أن يخطو في مطارات العالم بأنّه شخص إرهابي غير مرغوب فيه ، ولو كان حاملاً لتأشيرات الدخول وحتى للأموال اللازمة لإقامته في الغرب. لكن ليس الطريق سهلاً ولا معبداً للذهاب إلى الغرب.
يعيدني هذا السؤال إلى عام 1979 منذ ما تعرّض له شاه إيران محمد رضا بهلوي قبل تركه لطهران. نحن اليوم نعيد طرح السؤال نفسه المقيم فينا منذ ذلك التاريخ، لكنّ كمية الفوضى والحروب والخسائر والركام تتجاوز بكثير ما كنّا فيه منذ 38 سنة.
كان العديد من زعماء العرب الكبار الذين كنّا نلتقيهم في العواصم الأوروبية يطرحون السؤال نفسه فيجيبونك: نذهب إلى بيروت. وبيروت عاصمة عربية غربية يختلط فيها الغرب بالشرق والإسلام بالمسيحية. وهي بهذا المعنى السياسي جزيرة دولية وملجأ تاريخي عريق متجدد ، ولو أنّها عاصمة مهددة على الدوام لا يمكنها أن تبقى خطوط تماس بين الشرق والغرب.
استغرق العقل منذ إسقاط الشاه وقيام الثورة الإسلامية في طهران بحثاً عن زعزعة العالم العربي والإسلامي من الداخل. وكان يجهد في اختراق مختلف المجتمعات وبمختلف الأساليب لتذكية صراعاتها في المجتمعات العربية تحت عناوين شتى آخرها «صراع الحضارات» ، ونعاين كثيراً نتائج الأفكار المستوردة القائلة إن المسيحية قد أغرقت بالمناخ نفسه والدماء عينها قبل أن تحقّق ثورتها الكبرى وتشذّب الميراث الديني ومستلزماته منذ أيام نابليون بونابرت الذي حصّن خطاه العسكرية في التاريخ المعاصر بفكر كبار الفلاسفة من أمثال روسو ومونتسكيو وديديرو وفولتير..الخ، وقعد في فتوحاته فوق ما عرف ب: عصر الأنوار. وهناك من يطالب إذاً بثورة مماثلة على الذات والتراث ، وهي تعد قطعاً بحروب لا نهاية لها ودماء قد لا تعرف النضوب. السبب أنّ الفكر التغييري قابل للتصدير لكنّه غير صالح للتغيير ولا يمكن تحويله إلى سلع ثقافية. أين نذهب وقد أصبحت معظم الأمكنة مقفرة مخيفة؟
تتعدّد الأجوبة كثيراً وتشوبها الفوضى العارمة التي لن ندرك متى يركد ماؤها وتبيّن ملامح مستقبلها، وأخطر ما فيها وقوعنا في مآزق القرارات الفردية السريعة وهمومها ومسؤولياتها بما يعني أو يؤدّي إلى تحلّل الجماعات أو تفكّكها بالمعاني الاجتماعية والجغرافية والديموغرافية والفكرية والحضارية.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2287654

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

45 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 46

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010