] الزواري.. الإتجاه الذي لا يعرف الخطأ - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الثلاثاء 27 كانون الأول (ديسمبر) 2016

الزواري.. الإتجاه الذي لا يعرف الخطأ

صالح عوض
الثلاثاء 27 كانون الأول (ديسمبر) 2016

تجيء تونس اليوم بالزواري، وهو واحد من أكثر رجالها نبلا وعمقا وجدية ووعيا، لتضع قطار نهضة العرب على السكة بعد أن انحرفت به الاختراقات الغربية وحرفت مساره وكادت تبدِّد طاقاته وتفتن ابناءه في مذبحة لا تبقي منهم ولا تذر.. كان يكفي أن يكون عالما فيدلّنا بنصائحه واستنتاجاته على ما هو ضروري للنجاة، أما أن يكون عالما وشهيدا فذلك فيض النور الرباني حيث تتجسد المعجزة والهداية.. تجيء تونس اليوم بعقل عالم مستنير مثابر اسمه محمد الزواري ليضع بهدوء وعمق وتركيز وبلا ضوضاء نقطة في آخر سطر الفوضى، ويفتح صفحة جديرة بكفاح الأمة وتصحيح مسار طلائعها فيكتب بدمه النوراني قصيدة المجد والكرامة لأجيال الشباب وقد أشعل قنديلا لايخبو ضوؤه كما زودهم بخبرته وعلمه ودأبه كيف يخترقون الممنوع ويقتحمون المغلق فتصبح الطائرات وصناعتها على مرمى خطوة وفي منال اليد.
في إطار الصراع الحضاري يجيب محمد الزواري على جملة التحدي الحضاري الغربي والتي تدور حول التكنولوجيا وامتلاك سر التقنية.. فانسحب هذا المعلم من خانة الخائضين والخائضات والمنهمكين بالغثاء من القول والفعل وكشف الله عن بصيرته فامتلأ قلبه يقينا بصحة الاتجاه الذي لا يعرف خطأ.. لم يكن الزواري مجرد مقاتل من أجل القدس وفلسطين ويكفيه هذا شرفا ولكن ذهب إلى ما هو أعمق؛ ذهب ليقول لنا إن ضوء فلسطين يكشف عن أهمية امتلاك التكنولوجيا والعلوم المعاصرة وتعميم ذلك فكان بهذا في مستوى القضية الفلسطينية وزعيما من زعمائها الحضاريين الحقيقيين.

أجل إن للأماكن عبقرياتها.. وليس مطلوبا من مكان ما هو مطلوب من آخر.. فهذه هي تونس الصغيرة بحجم الجغرافيا ومحدودة العدد بالنسبة للسكان تبوّأت الموقع التاريخي الذي لم ينله سواها.. فلقد كانت في القرنين السابقين منارة باسقة للتنوير والنهضة في المنطقة العربية كلها لاسيما في المغرب العربي وآثار ما قامت به الزيتونة وعلماؤها الأفذاذ الذين تبوأوا الأستاذية في الفكر والثقافة والعلوم على مستوى الأمة كلها من أمثال الثعالبي والطاهر بن عاشور..

أطلقت تونس إشارة ثورات الشعوب قبل سنوات وكان الشهيد بوزيدي رمزا لرفض الظلم والمهانة وكان عنوان حراك شعبي عربي كبير.. كما كان قبله الشهيد حشاد رمزا لنضال العمال العرب المطحونين ونال بذلك من المكانة ما جعله عنوان النضال العمالي في كثير من بلاد العرب..

في هذه الظروف التي اكتشفنا فيها أننا دخلنا المتاهة بعد أن أقنعنا أنفسنا أنه بالانتفاضات على الحكام والأنظمة السائدة يمكننا الوصول إلى ما ينبغي أن يكون لإتمام تحسين المعيشة وامتلاك الكرامة والسيادة فها نحن نكتشف أن ربيعنا مدمى وفوضوي وأدخلنا متاهات وكانت نتيجته ملايين القتلى من أبناء العرب وملايين المهجّرين المشرّدين وملايين المحرومين من التعليم والصحة والحياة وملايين الأيتام والأرامل.. وفي المقابل لم نُنتج سوى التطرُّف والعنف والارتماء في أحضان الأجنبي وانتظار صناديق ماله تفرض علينا اشتراطات مذلّة تدمّر من خلالها ما تبقى من إمكاناتنا الذاتية.

في هذه المرحلة بالضبط جاء الزواري مشرقا بتونس صاحبة المبادرة وصاحبة الاجتهاد الجريء في النهضة والتنوير والحيوية.. جاء ليصرح بدمه التصريح الذي لا يحول بينه وقلوب الناس حاجز بعد أن كان همسه لأصدقائه وإخوانه لا يتردد: أنا اخترت الأقصى وفلسطين لأنها الاتجاه الذي لا يخطئ.. فكان دمه الذي انهمر في أحد أزقة مدينة صفاقس كافيا بإضاءة تونس كلها بل والأمة كلها.

وكما أن الزواري منح الأمة فرصة النجاة من الانزلاق الخطير الذي كاد أن يودي بها.. فإن فلسطين جلّلته ببركاتها وارتقت به في سلمِّ معراجها وفردت له أحضانها تضمه ولدا بارا مخلصا لتجعله أحد أعمدة أقصاها وتسجل اسمه في الخالدين بجوار الأنبياء والصالحين رجلا بحجمها جمالا ورونقا واستثناء.

في هذا المناخ الذي ولدته دماء الزواري تجددت المعاني وتبدلت الأولويات واكتشف الناس جبهة الأعداء ومكامن الخروق وضرورة البناء الواعي للمجتمع والدولة، واندفع الناس كل الناس في تونس وقد التقطوا كلمة السر حيث عادت فلسطين إلى بهائها ورونقها في أرواح التونسيين وعلى ألسنتهم تغص بهم الشوارع وتضجّ بهم الآفاق يحيون فلسطين ويقدِّمونها على خاصة خاصتهم.. فيرسمون بذلك لشباب الأمة الضائع المتردد طريق العزة والكرامة.

لقد أراد لنا الخصم الحضاري والعدو التاريخي أن نختار بين أنظمة مستبدة جاهلة مجهلة أو حياة التيه المزوّدة بالجريمة والقتل وانفلات المتوحشين من المتطرفين.. ولجأ كثير منا إلى أخف الضررين واستجاب كثير منا إلى التمني بعودة المستبدين وسلطان البوليس.. وعلى أي الجنبين تأتينا مهالكنا وتتبدد أحلامنا في نهضةٍ ووحدة وحضارة وسيادة وكرامة.

من هنا بالضبط كانت أهمية حضور الزواري عالما وشهيدا.. لقد كان فعله عظيما ولكن كانت لشهادته وظيفة إضافية أكبر وأخطر.. ومن هنا تتجلى قيمة الشهادة؛ إنها تحيي أمة لاسيما شهادة العالم..

محمد الزواري أنت ملخص إرادتنا ووعينا وأنت سبيلنا الذي لا يخطئ.. وإن بلدا أنجبتك وقذفت بك شهابا تحرق الجهل والفوضى وتضيء للقادمين دربهم نحو القدس، إن بلدا هذه حاله تجدد بك عهدها بالقدس وفلسطين وتشرق روحها وقد ملأت أحرفها بركة وقداسة لتتكلم بلغة لا تصل القلوب سواها: “بالروح والدم نفديك يا فلسطين”.

حيا الله تونس وحيا الله المندفعين الآن في الشوارع والأزقة والنوادي يحيون معالم الشهادة وحيا الله أسرة الشهيد وذويه وفلسطين بكم تزهو وتفتخر.. وتولانا الله برحمته.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2287654

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

31 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 32

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010