] مستقبل العرب بعد سنوات “الربيع” - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 17 كانون الأول (ديسمبر) 2016

مستقبل العرب بعد سنوات “الربيع”

صالح عوض
السبت 17 كانون الأول (ديسمبر) 2016

في محاولةٍ لاستشراف مستقبل بلداننا العربية لابد من التأكيد للمرة المليون أن مصيرنا مشترك وهو يتعرض لحملة عدوانية من قبل عدو واحد، كما أن حركة الوعي أو حركة الخراب تسري بنفس الايقاعات داخل أمتنا في الوقت نفسه، وأن بلداننا تخضع لسلطان معنوي واحد، وبينها من أواصر القربى ما يكفي لجعل أي حدث استراتيجي في أي منها له من الانعكاس ما يحرك الساكن وكأن الوتر العصبي يحمي نفسه.. من هنا ينبغي الاقتراب من الأحداث واستشراف روحها والتنبؤ بما سيكون عليه حالها عندما يتم اكتشاف السبيل لتحقيق الذات.

تجتمع في المشهد العربي اليوم معطياتٌ منها ما هو مستحدَث بسبب نتاجات “الربيع العربي” ومنها ما هو دائم منذ عقود عدة على صعيد ممارسات الأنظمة وأزمات النخب الثقافية والسياسية في وطننا العربي، وكلها تفيد أن التعقيد في الأوضاع العربية ليس من السهل تجاوزه بل هو يدفع إلى مزيد من التعقيد.. الأمر الذي يتجلى في ما انتهت إليه الدول التي تمتعت بموسم الربيع العربي على الصعيد الاقتصادي والأمني، حيث تضرب الفوضى كل شيء في أركان الدولة وعناوينها.. فعاد الاقتراض من صندوق النقد الدولي والبلدانِ المانحة صاحبة الأجندات والتوجهات الخاصة هو سبيل النجاة الاقتصادية أمام دول تتهاوى اقتصاديا، وأصبح الرعب بسبب تفشي الفلتان الأمني وتوالد عصابات القتل والعنف والتطرف هو واقع الحال الذي اضطر كثيراً من هذه الدول إلى التحالف مع دول كبرى لمحاربة الارهاب مما يعني تحوُّل التبعية الاقتصادية إلى تبعية أمنية وسياسية.

لم يقتنع أولئك الذين ركبوا موجة الربيع العربي بعد بضرورة تقديم جردة حساب وتقييم للتجربة وإظهار نقاط الخلل فيها، وأين كان الاختراق وكيف تم؟ وما هو دور الفكر العربي في صناعة القابلية للاختراق الغربي؟ نقول هذا بعد أن أصبحت حكاية الربيع العربي وبالاً على مجتمعاتنا العربية.

وهنا لابد من الانتباه إلى أن حركات وجماعات انخرطت في ركوب موجة الربيع العربي تعيد التجربة المرّة الفاشلة، فلقد سبق لها أن تحالفت مع الأنظمة نفسها وتحت قيادة أمريكية لمحاربة الاتحاد السوفيتي وتمكنت فعلا من إسقاط الاتحاد السوفيتي أو على الأقل إخراجه من أفغانستان ليتمّ بعدها انقلاب أمريكا عليهم بقتلهم في الميادين واعتقالهم والزج بهم في السجون في جزر نائية واحتلال أفغانستان وتدمير الحياة في البلد.. وهاهم يكررون التجربة، وبعد أن قاموا بعنفهم وتمييع قضية المجتمع ها هي أمريكا والأنظمة الموالية يتخلون عن جماعاتهم المسلحة في أكثر من مكان من سورية والعراق وسوى ذلك.

ولكن لابد من الاشارة الواضحة لما آلت إليه مواقف الدول التي سعَّرت الحروب الداخلية في بلاد العرب.. فبلا شك أنها تمكنت من إلهاء الرأي العام العربي عن قضيَّته المركزية فلسطين وسمحت لاسرائيل بذلك للقيام بأبشع عملية تهويد للأرض والاستيطان ثم فسحت المجال لتكون قوَّة الكيان الصهيوني القوة المتفردة والقادرة على إحداث التفوق الاستراتيجي على الدول العربية جمعاء.. هذا صحيح، وصحيح أيضا أن السياسات الغربية تجاه المنطقة تمكنت من إرهاقها واستنزافها إلى أمد كبير وكادت تنتهي بها إلى نشوء كيانات فسيسفسائية تحت عناوين إثنية مذهبية أو عرقية تزيد التعقيد في المنطقة وتضمن لأمريكا التسيُّد على أكثر المناطق حساسية واستراتيجية.

كل ذلك صحيح إلى حد كبير، ولكن لأنه صراع تحويلي فهو لا يترك موازين القوى على حالها لأن المنطقة تخضع لعوامل لا يمكن وسمُها بأنها ثابتة وأن انتقال مراكز القرار والفعل لم يتأتَّ لمرحلة من الزمن كما هي المرحلة الحاضرة.. وهكذا نصبح جميعا أمام التحدي العنيف مراحل كسر العظم.

ومن هنا تتبلور فكرة تغير السيناريوهات والاستراتيجيات.. فلقد أكد الاستراتيجيون الأمريكان وكثير من الساسة أن مشهد سورية هو الفصل الأخير الذي أفسد مشروع الفوضى الخلاقة.. وبسرعة يحاول الأمريكان أن يخرجوا من المشهد، تاركين خلفهم أعباء مالية وأمنية فائقة على تلك المجموعات التي أصبحت في مهبِّ الريح ومصيدة لجيل واسع من شباب الأمة تتحطم على حوافها طموحات الأجيال.. ولكن من المؤكد أن مسيِّري الادارة الأمريكية يخرجون من فصل من فصول المعركة وليس من المعركة مع الأمة ومصالحها الحيوية والحقة.. والحاسم في الانتقال هو حجم الفوائد والخسارات التي مُني بها الهجوم الاستعماري الغربي على أمتنا، فيكفي أن نعلم أن حجم الخسارة الأمريكية نتيجة الحرب على العراق وأفغانستان بلغت مئات مليارات الدولارات وقتل ألاف الجنود الأمريكان كما أثرت على اقتصادها ونفوذها.

على ضوء خيبات الأمل في بلدان الربيع العربي، وعلى ضوء الاحساس الأمريكي بفشل التجربة، تبدو المسائل أكثر إثارة فهنا وعلى ضوء هذين المعطيين الكبيرين يتقدم قادة روسيا الامبراطورية المجروحة نحو ملء الفراغ وبقوة تستطيع من خلالها أن تضع في الخريطة السياسية الدولية اسهامات استراتيجية جديدة.. تتقدم روسيا لتكون حليفا كبيرا لدول المنطقة المفجوعة بسياسات أمريكا المخاتلة.. وفي ظل هذا الاختلال تتحرك النخب العربية المنتشرة في التخوم تنشر وعيا غير عادي.. حيث ليس أقلّ من التحرر من العبث الأمريكي بأمن المنطقة وثرواتها.

إن الاحساس بالخطر الأمني سيدفع العرب إلى تحسُّس سبيل التنسيق الأمني بين الجيران، كما أن الحس الأمني الذي يعيش حالة تزايد سيدفع العرب إلى الاسهام في حل المشكلات الاقتصادية لبعضهم بعضا لأن أي خلل أمني في بلد بالضرورة ينتقل إلى البلد الأخر بكل قسوته، كما أن المكشوف أن الخلل الاقتصادي يقود إلى القتل والعنف والتوتر.

كما أن الاحساس بأن المنطقة العربية مكشوفة الغطاء يعني بوضوح أن ليس هناك متَّسعٌ لتغافل الأمن القومي العربي بأن يكون هو عنواناً لكل العلاقات بين الاقليم وأخيه، الأمر الذي يعني تفعيل الترابط العملي بين الجسد العربي.. وأن يسعى الجميع لتوثيق العلاقات بما فيها من توجُّه إلى القضايا الجوهرية وعلى رأسها قضية فلسطين.

بعد فوضى سنوات الربيع العربي.. يصبح الاعتماد على الذات وتكريس الحريات ورفض الانصياع لصندوق النقد الدولي فيما يخص الهوية والخطط التنموية أمرا في غاية الأهمية.. إننا من بين ركام مدننا في سورية والعراق نؤكد أن صبحا يزيح ظلام الوهن سوف يأتي مجللا بكفاح شعوبنا وتصميمها على استئناف مجدها وحضارتها، فهي الموقع الأكثر جاذبية والأكثر صمودا وقدرة على قهر التحديات.

تمكنت هذه القوى من إلهاء الرأي العام العربي عن قضيَّته المركزية فلسطين وسمحت لاسرائيل بذلك للقيام بأبشع عملية تهويد للأرض والاستيطان، ثم فسحت المجال لتكون قوَّة الكيان الصهيوني القوة المتفردة والقادرة على إحداث التفوق الاستراتيجي على الدول العربية جمعاء.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2327370

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

32 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 19

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28