] اشتدي أزمة تنفجري! - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 5 تشرين الثاني (نوفمبر) 2016

اشتدي أزمة تنفجري!

السبت 5 تشرين الثاني (نوفمبر) 2016

هناك قول مأثور هو مراوغ ومريح يتوخى بعث الآمال إذا ما ذوت فتائلها، والتخفيف على النفس إذا ما احتدمت الضائقة وثقُلت المحنة أو تعدت بلواها القدرة على احتمالها. وهو قد يصلح للأفراد كما ويصلح للشعوب والأمم. إنه شطر من بيت شعر يقول: اشتدي أزمة تنفرجي، ويعقبه عجزه القائل: قد اذَّن ليلك بالبلج…هذا المأثور المستحب إن صلح لأن يقال في أية بقعة من عالمنا اليوم، فمن المشكوك فيه صلاحه في وطننا العربي في المدى المنظور على الأقل، لكنه قطعًا ليس بصالح في مثل هذه الأيام بالذات فيما يتعلق بمستفحل أزمة العمل الوطني في الحالة الفلسطينية الراهنة. وعليه، لو شئنا تعديل مأثورنا هذا ليتوافق مع واقع هذه الحالة فربما لكان لزاما علينا القول: اشتدي أزمة تنفجري، وانفجارها الذي لا أخاله إلا قادمًا، تؤكده وضامنة له ثلاثة من عوامل اجتمعت آن واحد، وهي باجتماعها هذا قد تضافرت، موضوعيًّا،على استقدامه، وإليه يشد بعضها بعضًا. إنها المتمثلة في الآتي:
أولًا: فجور احتلالي باطش أوغل في ارتكابات همجية منفلتة لا تخشى ردًّا يردعها أو تتهيب من مظنة محاسبة، وأشد تمظهرها، هو إلى جانب التقتيل والتشريد، تهويد جامح مسابق للزمن، مستفيدًا مما لم يجتمع مثله لغاز من بغاة التاريخ، وهو تواطؤ دولي شامل يردفه خنوع عربي شائن لم يكتفِ صحبه بنفض اليد من قضيتهم القومية وبلوغ بعضهم حد التواطؤ المفضوح، بل انتقل بعض بعضهم من السمسرة إلى التطوع للضغط المباشر على الفلسطينيين لصالح من هو المفترض أنه عدو أمته التاريخي… وثانيًا: الحالة الأوسلوستانية الكارثية المزرية والمهينة في اندلاقها الانهزامي التصفوي البائس… وثالثًا: عجز فصائلي مزمن ومقيت يدفعنا مكرهين لعدم التردد في الذهاب لوصفه بأنه إنما يشكل ظهيرًا، موضوعيًّا، لاستمرارية البائس الأوسلوي، الذي تشكل انهزاميته بدورها سندًا، موضوعيًّا، لفجور الفاجر الصهيوني… لنأخذ أمثلةً، ولنبدأ بالاحتلال:
منذ أن اندلعت الهبَّة الشعبية الراهنة، الانتفاضة الثالثة، انتفاضة الفدائيين، أو سموها ما شئتم، جوبهت وحوصرت بالقمع الاحتلالي، يعضده التعاون الأمني الأوسلوي، وخُذلت بإحجام الفصائل عن تبنيها المباشر لعجز وقلة حيلة إزاء تحمُّل كلفته، واستعاضتها عن التبني بإبداء التأييد والاكتفاء بكيل الثناء وإزجاء النصح مرفقًا بالدعوات الصالحات.
ومنذ أن اندلعت، وهي المستمرة ولن تتوقف ما دام هناك احتلال، ومن حينه وحتى اللحظة، يتصاعد طردًا القمع الصهيوني وهو إلى ازدياد، يرفده تسارع في التهويد الجارف، إذ تحولت الضفة بكاملها إلى مشاريع تهويد، وفلسطينيوها جميعًا باتوا بالنسبة لجنود الاحتلال ومستعمريهاهدافًا للرماية على الحواجز العسكرية والطرقات، وكل بيت فلسطيني أو شجرة زيتون هدفًا مستحبًّا للجرافات.
هذه الأيام تشهد الضفة طفرةً من عمليات مداهمات واقتحامات واستدعاءات وإغلاقات لا تستثني مدينة أو قرية أو مخيم، إلى جانب هدم بيوت المقدسيين، وخزانات المياه في الأغوار، مع المستمر من غارات الفتك الدائب بأشجار الزيتون، ومشاريع تُقر لبؤر استعمارية جديدة شمال الأغوار، وتوسعة للقائمة، كما هو الحال في جيلو وسلفيت…
والأدهى أن هذه الاقتحامات زامنتها وترادفت معها مؤخرًا حملة من اقتحامات واشتباكات أخرى نفذتها الأجهزة الدايتونية الأوسلوستانية بذريعة ملاحقة “الخارجين على القانون” في مدينتي نابلس وجنين، وكذا مخيمي الأمعري في رام الله وبلاطة في نابلس، وهي تأتي كإضافة نوعيةً لتلك المعتادة من المطاردات والملاحقات للمقاومين واعتقال النشطاء من المعارضين، التزامًا بالتعاون الأمني مع المحتلين، يضاف إليه التصفيات الداخلية بين متصارعي الأجنحة الأوسلوية.
…ولكله، أضف بوادر احتدام منذر باقتراب انفجار يعيشه معتقل غزة لمليوني فلسطيني محاصر صهيونيًّا وعربيًّا ودوليًّا، والذي يمور في ظل معاناةً مستمرة لعقد ولا تزال… ناهيك عن عذابات الأسرى الأبطال في سجون الاحتلال الذين لم يترك لهم عدوهم من خيارات سوى الإضرابات المديدة عن الطعام حد المشارفة على الاستشهاد، أو “مقاومة الأمعاء الخاوية”.
في مراحل سابقة ساد نوع من التكاذب التصالحي الفلسطيني الفلسطيني، تجاذب طرفيه على الدوام طرفا ما يعرف بالانقسام… سلسلة من لقاءات تصالحية كرنفالية كلها توِّجت باتفاقات كان ينتهي مفعولها بانتهاء احتفالية التوافق عليها… اتفاق مكة المكرمة، القاهرة، الدوحة، غزة…وذاك الكلام الكثير حول “تفعيل وتطوير” المنظمة، وانتهاءً بحكومة “الوحدة الوطنية” الخ…كلها، وكما قلنا في حينه، تكاذب، ولعب في الوقت الضائع، وتكفي هنا الإشارة لسبب واحد:
إنه، وفي ظل استحالة التوافق على برنامج جد أدنى وطني مقاوم مجمع عليه، وقبله وبعده استحالة إمكانية تلاقي خطين نقيضين، أحدهما مساوم ذهب بعيدًا في هاوية انهزاميته ولا يملك ترف العودة عن نهجه، وآخر يرفع راية المقاومة التي حتام تضعه في الموقع الآخر، تستحيل مثل هذه المصالحة اللهم إلا بالتحاق أحد الطرفين ببرنامج الآخر، والذي هو لن يكون في هذه الحالة إلا برنامج أوسلو، أو ما يفرضه واقع كارثي أوسلوستاني بات أي تغيير يطوله يمس مصالح شريحة نمت في أوحاله واعتاشت على هوامشه، وفي ظل احتلال يحرص على استمراريته وتواطؤ دولي وعربي يتفانى لاستمراره.
فشل لقاء أبومازن وخالد مشعل في الدوحة مؤخرًا يثبت هذا… لم يك تصالحيا، دافعه لدى الأول كان دحلانيًّا، والثاني ضائقة طالت وتتلمس مخرجا في معتقل كبير.
…وعليه، وعود على بدء، حتى التكاذب لم يعد ممكنًا في الساحة الفلسطينية…إنها وجهًا لوجه أمام: اشتدي أزمة تنفجري…؟!

- عبداللطيف مهنا


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 37 / 2287654

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 19

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010