] سعيد العمرو في عروق المدينة - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الجمعة 23 أيلول (سبتمبر) 2016

سعيد العمرو في عروق المدينة

بقلم: احمد جميل عزم
الجمعة 23 أيلول (سبتمبر) 2016

دخلتُ بيتهم الجديد، شمال عمّان، ولا أدري كيف طرق الحديث ذكرى خروجهم من عمواس، قرب القدس، عام 1967، ولم تتوقف السيدة لنحو ما يزيد على ساعة، عن الحديث اللاهث والمنفعل صعوداً وهبوطاً بين الحزن والألم والفرح، عن ذكريات القرية، واتضح أنني أمام عمليّة تطهير عرقي لم تسجّل بعد.
هناك عبارة تشكل جزءاً من الهوية الأردنية، وجزءا من الخطابين الرسمي والشعبي، وهي أنّ الجنود الأردنيين استشهدوا على أسوار القدس، ودفاعاً عنها.
هل كان ذهاب الشاب الكركي سعيد العمرو، للقدس، خلف هؤلاء الجنود؟ أم كان يبحث عن روح “أغنية حب لشهيد الكرك”، التي غنّاها كمال خليل، وفرقة بلدنا، للشهيد أحمد المجالي الذي استشهد في لبنان، مقاتلا مع فلسطين؛ غنّى له: “هِلي بزغرودة وقمر غنيّله يا أحلى المدن، أحمد على الموت انتصر، ما أبهى شمسك يا وطن”. ذهب وقتلته مجندة إسرائيلية الجمعة الفائتة. كان يريد الصلاة وزيارة أنسباء وأن يكون في القدس، بكل مباهجها وألمها. كان يريد محبة المدينة، التي اختار أهلها يوماً ابن الكرك، يعقوب زيادين نائباً لهم في البرلمان. كان يريد حقه أنّ يكون هناك.
كان طارق البكري وصديقه يهبطان في سيارة “تكسي” إلى وسط عمّان لتناول الغداء. وعندما عرف السائق من حديث أحدهما على الهاتف أنّه من القدس، قال لهما هل سمعتما بقصة الشاب الذي بحث طويلاً عن قبور شهداء الجيش العربي في القدس؟ وأسهب في الحديث عن القصة، مُضيفا تفاصيل كثيرة. أخبره طارق أنّه هو من وجد القبور، ولكنه خجل أن يخبر السائق أنّ طريقته في رواية القصة فيها تفاصيل مبالغ فيها. فطارق خريج جامعة عمان الأهلية، مهندس من القدس، عاد بعد دراسته، وصار يذهب للقرى المدمرة، بفعل التطهير العرقي الصهيوني عام 1948، ويصوّرها. فبدأ أهالي القرى يرسلون إليه، صورهم قبل النكبة، ويسألونه عن حال البيوت والأشجار الباقية، وصاروا يطلبون إليه الذهاب لقراهم وتصويرها لهم، حتى صار، كما يقول لي، يعتقد أنّه صاحب برنامج اسمه “ما يطلبه اللاجئون”. وذهب قبل عامين إلى عمواس، ليبحث عن “ما قبل وما بعد”، ليقارن الوضع الآن بما تدل عليه صور ما قبل النكسة والنكبة. وبدأ يتفحص الأرض وما بين الأشجار، مكان البيوت، وبدأ يجد قبورا، أولها للشهيد روّاس أحمد السرحان، ثم قبور من أهالي القرية، وسرعان ما اكتشف أن ثمانية منها، على الأقل، تعود لشهداء الجيش العربي الأردني. ونشر الصور ليتضح أنّها لجنود اختفت آثارهم، حتى أنّ عائلة ابن الطفيلة، علي حسن العوران، لم تكن قد أيقنت باستشهاده، وكانت تعده مفقوداً، وهو الذي كان ينتظر عودته حتى يقوم أهله بتزويجه. كرّم أهالي القرية الشهداء بدفنهم، ووضع شواهد للقبور بأسمائهم. وكان مع السرحان والعوران شهداء من البلقاء، وجرش، والرمثا، وغيرها.
أصرّ سائق التكسي على استضافة طارق وصديقه، على “منسف”، ولما اعتذرا أصر على عدم أخذ الأجرة. أمّا طارق فيروي قصة تكريم أهل الشهداء له، بتأثر شديد، التكريم الذي أقامه أهل عمواس في جمعيتهم في عمّان، والتكريم في الطفيلة في مهرجان حاشد، وغيرها.
هاتفته أمس، فاكتشفت أنّه لم يخرج من اكتشافه قبل عامين، ولا يزال يواصل الذهاب للقرى. تحدثنا عن عيسى العمرو، فأخبرني أنّ أهالي الشهداء الأردنيين ما يزالون يتصلون به، بعضهم ما يزال لا يعرف مكان دفن أبنائهم، أو بالأحرى آبائهم وأعمامهم. وقال إنّه التقى في ضاحية الرشيد في عمّان، عائلة شقيق شهيد من عائلة النصراوين، الكركية المسيحية، يبحث عن شقيقه وابن عمه، ونقلوا إليه معلومات لتساعده على معرفة مكان قبر أحدهم، عرفوها من جندي من عائلة الحباشنة كان معه.
هل يلحق سعيد العمرو، بالقاضي رائد زعيتر، ليكون أردنيا آخر يذكّر بمعمودية الدم والروح الممتدة عبر نهر الأردن؟ هل تنسّم رائحة حجر المدينة، وعروقها، قبل أن يتلقى الرصاصات وهو يرفع يديه معلنا أنّه “مسالم”.
هل هي صدفة أنّها ملفات لم تغلق؛ من الشهداء وقبورهم، إلى رائد زعيتر، إلى سعيد العمرو، ورواية أحمد المجالي، والنصراوين، بانتظار رواية روايتهم.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 53 / 2287654

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

26 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 28

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010