] المصالحة الفلسطينية المستحيلة: أطراف لا يثق أحدها بالآخر - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 24 آذار (مارس) 2018

المصالحة الفلسطينية المستحيلة: أطراف لا يثق أحدها بالآخر

بشير نافع
السبت 24 آذار (مارس) 2018

ما أن يبدو بصيص أمل في تقدم عملية المصالحة الوطنية الفلسطينية، حتى يخيب أو يتلاشى. لا التوكيدات على استعداد حماس لتقديم التنازلات الضرورية لإتمام المصالحة، ولا التوكيدات المقابلة على عدم وجود شروط إعجازية لدى سلطة رام الله؛ ولا لقاءات الوسيط المصري بهذا الطرف أو ذاك، أثمرت أية نتائج ملموسة. شكلياً، تسلمت حكومة الرئيس عباس مقاليد الوزارات ومؤسسات الحكم في قطاع غزة، إضافة إلى المعبر الحدودي مع مصر، متنفس أهل القطاع الوحيد. وقد قام رئيس الحكومة بزيارتين إلى غزة، في تعبير رمزي عن عودة سلطة رام الله إلى القطاع. فعلياً، لم يزل القطاع تحت سيطرة حماس، وليس ثمة تغيير ملموس في أحوال أكثر من مليونين من الفلسطينيين، لا في ظروف معيشتهم، ولا في قدرتهم على الحركة، لدواعي المرض أو العمل أو الدراسة. تصريحات مسؤولي رام الله المتناقضة حول مصير موظفي الحكومة في القطاع لا توحي بأن هناك نية جادة للتعامل الإيجابي مع ملفهم. ولم تزل السلطة ترفض المساهمة في حل مشكلة الكهرباء في القطاع، أو حتى التعاون مع دول صديقة لحل هذه المشكلة. بكلمة أخرى، إن قصد بالمصالحة وحدة الحال والمصير بين القطاع والضفة، فليس ثمة تقدم يمكن التعويل عليه.
الأسوأ، على المستوى السياسي، وبالرغم من إعلان حكومة رام الله التزاماً بالمصالحة، كان قيام اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بدعوة المجلس الوطني، القديم، منتهي الولاية، والمختلف عليه، للانعقاد في نهاية نيسان/ابريل. هذا، بالرغم من اتفاق بيروت 2017، الذي وقعت عليه حركة فتح، حزب الرئيس وقاعدة حكمه، وأغلب التنظيمات الفلسطينية، والذي أقر ضرورة تشكيل مجلس وطني جديد، يعكس تعددية الفلسطينيين السياسية، ويفسح مجالاً لتمثيل حماس والجهاد في مؤسسات منظمة التحرير. وكان المجلس المركزي للمنظمة عقد مسبقاً بدون مشاركة حماس والجهاد. كما الإداري والمعيشي، ليس هناك ما يوحي بأن عملية المصالحة حققت الكثير على الصعيد السياسي.
الغريب في كل هذا أن المصالحة باتت ضرورة حيوية لأهالي القطاع، وحاجة سياسية لطرفيها الرئيسيين: سلطة رام الله وحركة حماس. بعد مرور أكثر من عشر سنوات على حصاره، وتعرضه لثلاث حروب مدمرة، أخذت آلة الحياة في الانهيار المتسارع في قطاع غزة. والسلطة، كما حماس، مسؤولة عن حياة مواطني القطاع. وبالنظر إلى تعرض الفلسطينيين لضغوط متزايدة، أمريكياً وإسرائيلياً وعربياً، لقبول تسوية لا تستجيب لأدنى الحقوق، ثمة حاجة ملحة لوحدة القوى الوطنية الفلسطينية، وتعزيز قدرة الرئيس عباس على مقاومة الضغوط. ليس ثمة شك أن هناك مشكلة أولية في طريق المصالحة، تتعلق بالافتراق السياسي الاستراتيجي بين رؤيتي السلطة وحماس. ولكن، حتى إن افترضنا أن السنوات الأخيرة شهدت تجاوزاً ولو جزئياً لهذا الافتراق، وأن تقارباً في السياسات المرحلية قد أسس لما يمكن تسميته بعلاقات عمل بين فتح وحماس، تواجه عملية المصالحة قدراً كبيراً من فقدان الثقة، ليس بين حماس وفتح وحسب، بل وبين كل منهما ومصر، التي تقوم بدور الوسيط الوحيد.
منذ نشطت قنوات الاتصال بين حماس والقاهرة، يؤكد المسؤولون المصريون على أنهم يتحركون بهدفين أساسيين: تعزيز اللحمة الوطنية الفلسطينية ورفع المعاناة عن سكان قطاع غزة. ولكن لا حماس ولا عباس يثق كثيراً في المقاربة المصرية. تدرك حماس أن النظام الذي يحاول بكل الوسائل، القانونية منها وغير القانونية، اجتثاث الإخوان المسلمين في مصر، لن يستطيع التعايش مع الإسلاميين الفلسطينيين، مهما أكد الأخيرون على تجنب التدخل في شؤون الدول العربية الداخلية. القاهرة، بالطبع، لا تريد رؤية قطاع غزة ينفجر، ولا ترغب في إحداث انهيار أمني في القطاع، ولكن المساعي المصرية لن تقف عند هدف رفع المعاناة عن سكان قطاع غزة، وتنظر إلى المصالحة باعتبارها خطوة أولى نحو تقويض سلطة حماس، ومن ثم تجريدها من السلاح، وصولاً إلى تهميش نفوذها السياسي والاجتماعي. ولذا، وبالرغم من أن المصالحة باتت هدفاً استراتيجياً لحماس، وأن حماس تدرك أن لا مفر من بناء علاقات طبيعية مع القاهرة، ثمة قدر من الشك في التحرك المصري الحثيث من أجل تحقيق المصالحة.
مخاوف عباس من القاهرة، لا تقل عن مخاوف حماس. ما يراه الرئيس الفلسطيني في الوساطة المصرية ليس مصالحة وحسب، بل ومشروعاً أكبر بكثير، يستهدف تمهيد الساحة الفلسطينية لتطبيق مشروع ترامب للتسوية، والتخلص منه شخصياً، في اللحظة المناسبة، لصالح دحلان وحلفائه. يعتقد عباس أن خطة ترامب للتسوية، ما بات يعرف بصفقة القرن، ليس مشروعاً أمريكياً ـ إسرائيلياً فقط، بل ومصرياً ـ سعودياً كذلك، يجري انضاجه بمعزل عن الفلسطينيين والأردنيين وكافة العرب الآخرين. وبغض النظر عن تفاصيل المشروع، يعتقد عباس أن المصالحة وتطبيع الأوضاع في القطاع شرط ضروري لبدء فرض التسوية. ولأن القاهرة، كما الأطراف المعنية الأخرى، تدرك أن الرئيس الفلسطيني لن يستطيع الموافقة على مشروع التسوية، سيكون التخلص منه خطوة ضرورية نحو تطبيق المشروع. وينظر عباس بقلق كبير، ليس مؤخراً وحسب، بل ومنذ تولي السيسي مقاليد حكم مصر، إلى الصعود الملحوظ في حظوظ دحلان المصرية، وإلى النفوذ المتزايد الذي يتمتع به دحلان في القاهرة كما في المنطقة الحدودية مع القطاع.
تستند مخاوف حماس وعباس من الموقف المصري إلى تقدير صحيح، على الأرجح. فقاهرة السيسي لا تنظر إلى حماس وعباس باعتبارهما شريكي مستقبل يمكن الثقة، وتحسب أن مخاطر وجودهما في قطاع غزة وقيادة السلطة على دور مصر وموقعها تفوق بكثير إمكانيات التعاون معهما.
بيد أن الثقة بين حماس والرئيس الفلسطيني ليست أفضل من ثقتهما في القاهرة. جر عباس خطواته بتثاقل لا يخفى منذ بدأت عملية المصالحة، وكان واضحاً أنه أكثر حرصاً على الظهور بمظهر الساعي إلى وحدة الشعب، أكثر من إيمانه بإمكانية تحقيق المصالحة. عموماً، وبالرغم من أن مندوبي عباس لا يقولون الكثير في جلسات التفاوض حول الموقف من سلاح حماس وفصائل المقاومة الأخرى، فما يريده الرئيس الفلسطيني ليس مصالحة بين طرفين متساويين، بل استسلاماً كاملاً من حماس لسلطة رام الله، التي يراها الرئيس السلطة الشرعية الوحيدة للفلسطينيين، وصاحبة السلاح الشرعي الوحيد.
ما يريده عباس هو تخلياً كاملاً عن السلاح في القطاع، تطهير دوائر الحكومة والأجهزة الأمنية كلية من أنصار حماس، وتحول حماس في القطاع، كما في الضفة، إلى جماعة سياسية غير قادرة على تحدي وجود السلطة ونفوذها. ولكن هناك ما هو أكثر من ذلك في أزمة الثقة، فمخاوف الرئيس الفلسطيني من تقارب الاضطرار، الذي فتح أبواب القطاع لدحلان وجماعته، لا تقل عن مخاوفه من علاقات الأخير الوثيقة بالنظام المصري. كانت حماس، في البداية، تظن أن تردد عباس في الذهاب إلى المصالحة يعود في جوهره إلى ضغوط أمريكية وإسرائيلية. ولكن، وبمضي الوقت، باتت حماس تدرك حقيقة موقف الرئيس الفلسطيني، وأن ما يطلبه يفوق بكثير ما هي على استعداد للتخلي عنه.
في هكذا سياق من تباين النوايا والأهداف، يصعب توقع إنجاز المصالحة. ويبدو أن على العلاقات الوطنية الفلسطينية انتظار كارثة أخرى، جيلاً آخر من القادة، أو تغيراً أكبر في موازين القوى بينها، قبل أن تبنى على أسس جديدة.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 51 / 2287654

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 20

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010