] بِنس يرافق إسرائيل واليهود… حتى الهاوية! - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الجمعة 26 كانون الثاني (يناير) 2018

بِنس يرافق إسرائيل واليهود… حتى الهاوية!

عماد شقور
الجمعة 26 كانون الثاني (يناير) 2018

كيف يمكن لخبر جيد عن حدث ما، ان يتحول إلى خبرٍ سيّئٍ لحظة وقوعه؟.
مهما يكن من امر، فإن الفلسطينيين سيمرّون بهذه التجربة المزعجة، ويشعرون بوقعها الأليم، عندما، او في حال تم ابعاد الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، عن سدّة البيت الأبيض.
كثيرة هي الدلائل حتى الآن، التي تجعل سيناريو تطورات الاحداث في واشنطن، تتقدم نحو نقطة ارغام الرئيس ترامب على مغادرة البيت الابيض، سواء بقرار قضائي، جراء هذه القضية او تلك، من القضايا التي يتردد فيها اسم ترامب، كمشتبه به او شاهد او متهم، او ربما باي وسيلة اخرى.
في حال تم اخراج ترامب من البيت الابيض، فإن من سينصّب خلفا له، رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، هو نائبه الحالي، مايك بِنْس، وذلك خلال دقائق، ان لم يكن ثوانٍ، على غرار ما جرى في تنصيب ليندون جونسون رئيسا لأمريكا، خلفا للرئيس جون كنيدي، فور اغتياله يوم 22.11.1963، وذلك تمشيا مع بنود الدستور الأمريكي الذي يمنع شغور منصب الرئيس ولو لساعات، نظرا للمسؤوليات الكبيرة الملقاة عليه كرئيس قد يضطر إلى اتخاذ قرارات مصيرية خلال لحظات، وعلى غرار «مات الملك.. عاش الملك».
لا يُحزن الفلسطينيين نبأ طرد ترامب من كرسي الرئاسة الأمريكية. لكن ما سيقلقهم، وربما كثيرا، هو تربّع مايك بِنس على ذلك الكرسي. فمن هو بنس هذا، وما هي خلفياته العقائدية والفكرية والسياسية؟، وما هي الاسباب التي تدعو للقلق؟، وما هو، بداية، الفرق بين ترامب وبنس؟.
ليس معروفا عن ترامب التشبث بالاستقامة والتصرفات الاجتماعية والانسانية، بل وحتى الجنسية، اللائقة والمتعارف عليها. وليس معروفا عنه الإلتزام بالوفاء بوعوده، رغم ما يحاول اظهاره مؤخرا من الالتزام، والذي جاء ارضاء لليهود ولاسرائيل، لاسباب لا علاقة لها بالإستقامة، وانما في محاولة لتخفيف النقد والرفض له من وسائل الاعلام الأمريكية، الخاضعة في غالبيتها للحركات المناصرة للصهيونية، وذات التأثير البالغ في تشكيل الرأي العام الأمريكي. وترامب، إلى ذلك، شخص كثير الإقدام على تصرفات واتخاذ قرارات غير متوقعة، ولا يمكن التأكد من معرفة خطوته اللاحقة، وردة فعله على أي تطور او حدث، والتي غالبا ما تكون فوريّة، ودون تروٍّ. ولعل «ادمانه» على نشر ردوده وتعليقاته، المضحكة في احيان كثيرة، على ما يستجد من احداث، وما يخص شخصه بشكل خاص، في صفحته على التويتر، دليل كاف على ما نقول.
بِنس، في مقابل ذلك، قد يكون اشبه بالنقيض. صحيح انه يميني ومتعصب مثل ترامب، الّا ان تعصبه وعنصريته وشوفينيته ليست مزاجية، وغير متقلبة، وانما تستند إلى ايديولوجية عقيدية راسخة ومتواصلة ومتأصلة. فهو لا «ينتمي فقط» إلى طائفة الإفنجلست البروتستانتية الأمريكية، وليس مندوبها في تولي المناصب السياسية فقط، والارتكاز إلى تصويت اعضائها لصالحه في كل انتخابات يخوضها، بل هو احد قادة تلك الطائفة البارزين. وهو لذلك شديد الإلتزام العلني بمعتقدات طائفة الإفنجلست، التي تعتمد التوراة مرجعا اساسيا لمعتقداتها، رغم ان اسمها يعني «الإنجيلية» وليس «التوراتية» مثلا، علما ان كلمة «انجيل» ذاتها تعني « البُشرى»، او التبشير، وكثيرا ما يسمى اعضاء الطائفة بالمبشِّرين او التبشيريين.
تصل الأمور احدى ذرواتها عندما يتم البحث عن جواب لسؤال بسيط ومنطقي، هو : بماذا يبشِّر اتباع وقادة هذه الطائفة؟.
انهم يبشِّرون استنادا إلى بعض اساطير «الكتاب المقدس» الذي يجمع بين دفّتيه التوراة، تحت اسم «العهد القديم»، والأناجيل الاربعة ورسائل الرُّسُل وبعض النبوءات والتنبؤات تحت اسم «العهد الجديد». وفي هذه الاساطير والتنبؤات التي تؤمن وتبشر بها طائفة الإفنجلست، نبوءة تتحدث عن «آخر الزمان»، حيث يجيء المسيح ثانية إلى الارض، مسبوقا بقرع الطبول ونفخ ابواق الزمامير، ليقود الحرب الاخيرة على الارض، حرب الايمان والخير والسلام، ضد الكفر والشر والقتال، فينتصر الخير على الشر، بإبادة الكافرين جميعا، و«تمتلئ الارض خيرا وسلاما» إلى «آخر الدهور».
لكن هذه الاساطير والنبوءات، لا تتوقف عند الإشارات العامة، ولا تترك مجالا للتقدير واعطاء تقديرات قد لا تكون متطابقة تماما، بل تصل إلى التفاصيل، بل وتفاصيل التفاصيل، فتحدد شرط البدء في هذه الحرب التي تبيد «الكافرين اليهود» الذين ينكرون القدوم الاول للمسيح، بان يتم تجميع كل يهود العالم في فلسطين، ولتنطلق حرب ياجوج وماجوج عند جبل او تلّ مَجِدّو، على الطرف الشمالي الغربي لمرج ابن عامر، شمال جنين وجنوب حيفا.
هذا ما يؤمن به بِنس وطائفته ويبشرون به. ولما كان موضوع عودة المسيح إلى الارض، ليقود المعركة النهائية والفاصلة، فأنه كثيرا ما يطلق على طائفة الإفنجلست اسم «المسيحيانيين».
يلتقي اتباع هذه الطائفة والحركة الصهيونية عند نقاط خط دعم اسرائيل وتقويتها وحمايتها وجعلها جاذبة لليهود من جميع انحاء العالم، ولا يفترقون، ربما، الا عند نقطة النهاية، نقطة استلال «مسيحهم» لسيفه لإبادة «اليهود الكافرين بقدوم المسيح»!!.
تحضرني، في هذا السياق، قصة طريفة تداولها الاسرائيليون كثيرا في ستينيات القرن الماضي. بطلا الرواية هما يهوديان: الوزير وعضو الكنيست (البرلمان الاسرائيلي)، الراباي يوسف بورغ، احد مؤسسي وقادة الحزب الديني القومي «المفدال»، [ايام كان حزبا معتدلا، على عكس ما تطور اليه ليصبح حاليا حزب «البيت اليهودي» المغرق في العنصرية]؛ وعضو الكنيست وامين عام الحزب الشيوعي عن الحزب الشيوعي، ماير فلنر. تقول الرواية ان يوسف بورغ كان حريصا على عدم الاحتكاك والتحدث إلى الشيوعيين الملحدين. وصدف في احد الايام ان كان بورغ في مصعد الكنيست، ودخله فلنر واغلق الباب ليكونا وحدهما لثوان قليلة، خاطب فلنر يوسف بورغ خلالها قائلا له: «المستقبل لنا يا سيد بورغ». فرد عليه بورغ: «ارجو ان يكون الامر كذلك».
وعندما روى ماير فلنر ما دار بينه وبين بورغ، وانتشر ذلك في صحف اليوم التالي، شكّك البعض بصدق الرواية، ولكن بورغ اكد صحّتها. وعندما سأله بعض اعضاء الكنيست عن سرّ وفحوى رده على فلنر، ردّ عليهم بما معناه: تحدث فلنر ويتحدث الشيوعيون عن المستقبل، وما يهمني انا هو الحاضر، فارجو ان يكون لنا الحاضر، وليكن «المستقبل» للشيوعيين، وتعلمون ان لا احد يصل المستقبل، فكل لحظة نصلها تصبح حاضرا، وتصبح بعد اللحظة التالية ماضيا، ولذلك انا اتمنى ان يظل الحاضر لنا، ويظل امل المستقبل، الذي لا يصله احد، لهم.
بِنس وطائفته والادارة الأمريكية تتحدث وتؤمن بالمستقبل، والحركة الصهيونية واسرائيل العنصرية تنعم بالحاضر، بفضل دعمهم لها.
لكن، بعيدا عن الفذلكات اللفظية والذهنية المتذاكية، يظل المستقبل القريب والمنظور والبعيد، وغير المستند إلى اساطير ونبوءات، ما انزل الله بها من سلطان. فالمستقبل الحقيقي والمضمون والأكيد، هو الابن الشرعي لما يبذله الفرد والجمهور والشعب من جهد، وما يزرعه ويبذره الشعب من عمل وتضحيات، مستندة إلى سياسة حكيمة وتخطيط سليم، تتجاوز العقبات مهما بلغت قوتها.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2329361

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 24

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28