] قرن من وعد استعماري - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الجمعة 10 تشرين الثاني (نوفمبر) 2017

قرن من وعد استعماري

كاظم الموسوي
الجمعة 10 تشرين الثاني (نوفمبر) 2017

في الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1917، صدر عن وزير خارجية المملكة المتحدة، الامبراطورية التي كانت لا تغيب عنها الشمس، ارثر جيمس بلفور، خطاب موجه للزعيم الصهيوني، اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد، اشار فيه إلى تأييد الحكومة البريطانية لإنشاء “وطن قومي لليهود في فلسطين”!. فتحولت كلماته المعدودة، الرسالة التي أخذت اسم وعد من67 كلمة، إلى الإشارة الأولى لتجميع العصابات الصهيونية من كل انحاء العالم، وبالتواطؤ حتى قبل وبعد ومع دولة الانتداب البريطاني والحكومات الاستعمارية الغربية لاحتلال أرض فلسطين، وبدء التغريبة الفلسطينية. أو صار بمثابة الخطوة الأولى لحكومات الغرب لتنفيذ مآربها الاستعمارية على طريق إقامة كيان “لليهود” على أرض فلسطين، وسط الوطن العربي، مستغلين المشاريع وخطط الحركة الصهيونية في تحقيق المصالح الاستعمارية في المنطقة. وليصبح فعليا عامل احتلال واغتصاب وطن واستعمار أرض وصناعة كيان.
ورغم إقرار الكثير من السياسيين والمؤرخين ورجال القانون ببطلان “وعد بلفور”، حيث كانت فلسطين عند صدور الوعد جزءا من الدولة العثمانية، وهي وحدها صاحبة الحق في التصرف بشأنها، ولم تشترك فيه الحكومة العثمانية، بالإضافة إلى تناقضه مع البيان الرسمي الذي أعلنته بريطانيا عام 1918، أي بعد صدوره، ونص على “أن حكم هذه البلاد يجب أن يتم حسب مشيئة ورغبة سكانها، ولن تتحول بريطانيا عن هذه السياسة”. كما تعارض بديهيا مع مبدأ حق تقرير المصير الذي أعلنه الحلفاء، وأكدته بريطانيا. ورغم ذلك تصر الدول الغربية باستمرار الظلم التاريخي والقانوني والأخلاقي وتعمل بجهودها المختلفة على تأبيد انتهاكها بتأييدها المتواصل للكيان الصهيوني وإجرامه، والمساهمة فيه عبر تزويده بما يحتاجه أو تعوّضه عن خسائره في تلك الجرائم، حسب توصيف القانون الدولي والمعاهدات العالمية.
حين صدر الخطاب كان عدد اليهود في فلسطين لا يزيد عن خمسين ألفا، 5% من السكان. بينما ارتفع عددهم عام 1948 إلى ستمائة وخمسين ألف مهاجر، ثم تتابعت الهجرات من كل أنحاء العالم. مرورا في تطبيق قرار التقسيم الذي صدر من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947. وتمكن الصهاينة من استغلاله ومن صك الانتداب، بإقامة الكيان في 15 أيار/ مايو 1948، والحصول على عضوية الأمم المتحدة بضغوط الدول الكبرى، وأصبح الكيان أول دولة في تاريخ النظام السياسي العالمي تنشأ على أرض الغير، وتحصل على مساندة دولية، وتتوسع وتبتلع المزيد من الأراضي الفلسطينية والعربية، وتبطش بمن تبقى من الشعب الفلسطيني على أرضه، وتتغطرس في المنطقة، وتكون قاعدة استراتيجية للمصالح الغربية وحارسا أمينا لها.
في الذكرى المئوية لهذا الخطاب الاستعماري تكشفت صورته الواقعية وأهدافه الرئيسية، بشكل صارخ، وتبينت خطورته التاريخية والإنسانية، ولذلك تصاعدت اصوات المطالبة باعتذار حكومة ورثة بلفور للشعب الفلسطيني وتعويضه عما لحق به جراء “وعد بلفور”، وتزايدت مؤتمرات البحث في بطلانه واعلان احتجاج شعبي متواصل ضده وما تداعى منه، لإبراز وقائعه والتذكير الدائم به والجهات المسؤولة عنه.
في بيروت المقاومة والحرية عقدت عدة مؤتمرات وفعاليات ثقافية بالمناسبة بحضور واسع ومشاركات عريضة، من بينها مؤتمر تحت عنوان، الوعد الحق. فلسطين بين وعد بلفور والوعد الإلهي. معا نقاوم، معا ننتصر. كما شاركت جماهير وشخصيات وطنية وقومية لبنانية وعربية في تظاهرة احتجاج أمام مبنى السفارة البريطانية في بيروت.
تكررت مثل هذه النشاطات في أغلب العواصم العربية والمدن الأوروبية، ولعبت الجاليات العربية والإسلامية دورا كبيرا فيها. وكانت لندن، عاصمة ” وعد بلفور”ساحة للتظاهر والاحتجاج وتقديم الرسالة الشعبية الفلسطينية إلى حكومة لندن التي تطالبها بالاعتذار والتعويض..
من جهتها فضحت الذكرى المئوية للوعد المشؤوم إصرار حكومة حزب المحافظين الحاكمة حاليا في لندن وتصريح رئيسة الحكومة تيريزا ماي، نصا، «نحن فخورون بدورنا فى تأسيس دولة إسرائيل» وبالاعتراف خلال ردها على اسئلة مشرعين بريطانيين، بوقوع تقصير في حماية حقوق الفلسطينيين، وخلل في الضمانات والتعهدات، واضافت”نحن ندرك أن وعد بلفور كان ينبغى أن يدعو إلى حماية الحقوق السياسية للطوائف غير اليهودية في فلسطين”. والتأكيد على الاحتفاء به ودعوة الصهاينة للاحتفال سوية معها في المكان ذاته الذي أعلن فيه بلفور وعده، والذي فسر بأنه منح من لا يملك لمن لا يستحق ورسم ملامح المعاناة الشعبية الفلسطينية. قرن كامل استعاد التاريخ فيه طبيعة الاستعمار وأهدافه ومشاريعه العدوانية الاستيطانية وخططه التفتيتية وتقسيم الشعوب والبلدان. ورغم كل ما مر فإن قرن من الزمان وضح لكل ذي بصر وبصيرة أن حقوق الشعوب لن تتقادم، وأن العدالة لن تغيب عن شرعية كفاح الشعوب وحقوقها في الحرية والاستقلال وتقرير المصير. مهما تشابهت ظروف الحركات السياسية والحكومات العربية والغربية أو اختلفت بحدود الزمان والمكان والقضية والحقوق والمطالب الوطنية والقومية والإنسانية.
من بين ما حصل في حالات الاحتجاج، إضافة إلى المؤتمرات والتظاهرات والوقفات ما قرره نشطاء بريطانيون من أصول عربية أو من أصدقاء فلسطين، من كل الأصول والأديان، إطلاق حملة شعبية لجمع 100ألف توقيع لإجبار مجلس العموم البريطاني على مناقشة الطلب الفلسطيني للحكومة بالاعتذار رسميا على إصدار «وعد بلفور» عام 1917 وما ترتب عليه من آثار كارثية عانى منها الشعب الفلسطيني أو بسببه وما وفره من ظروف لإجراءات وأعمال. وكأية خطوة او عمل ترد على رفض الحكومة البريطانية الاعتذار، وعلى ما قالته رئيسة الحكومة ومواقف حكومتها المتواصلة مع نص الوعد المشؤوم وخداع السياسة والأدوار الرسمية المعلنة.
في الذكرى المئوية لوعد كارثي استعماري خطير في جوهره ومعناه، رغم عدم تصريحه أو تعريفه لما استغل او استثمر أو وضع موضع التنفيذ الاستعماري الاستيطاني الإجرامي، تستمر حركة الصراع فيه وحوله، ولا تنتهي عنده أو لحدوده. فالقضية الفلسطينية قضية شعب وأمة، ومركز النضال وبوصلة الكفاح. وبالتجربة التاريخية التي مرت في تاريخ الأمة مهما طالت امثال هذه القضايا أو تعقدت صورتها فإن نصر الشعوب حتمي والوعد الحق قادم بإرادة واختيار ومصير وسبيل.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 58 / 2272063

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

23 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 25

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010