] العدوان على «الأقصى» - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الثلاثاء 25 تموز (يوليو) 2017

العدوان على «الأقصى»

د. فايز رشيد
الثلاثاء 25 تموز (يوليو) 2017

ما جرى في القدس الشريف، يوم الجمعة الماضي، هو فصل جديد من فصول الاعتداءات المستمرة على شعبنا ومقدساتنا، على أيدي الجلادين الصهاينة الذين منعوا أهلنا من الصلاة في أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. حشدوا «15» ألفاً من جنودهم في البلدة المقدسية القديمة وكأنهم على جبهة عسكرية، رشّوا المصلين بالمياه العادمة، استعملوا قنابل الغاز والرصاص المطاطي والحيّ ضدّ مدنيين عُزّل إلا من إيمانهم بربهم وعشقهم لوطنهم واستعدادهم للاستشهاد في سبيل حبات ترابه، وبالفعل حتى كتابة هذه السطور استشهد أربعة فلسطينيين في القدس، والحبل على الجرّار. لقد منعوا سيارات الهلال الأحمر من الوصول إلى مواقع الإصابات وأقاموا الحواجز الإسمنتية في طريق الحافلات المليئة بأبناء شعبنا المتجهين لنصرة القدس، والتي جاءت بهم من كلّ أنحاء الأرض الفلسطينية للصلاة في الأقصى.
نعم، تدور هذه الأحداث في بيت المقدس، للأسف، وأمتنا العربية تعيش مرحلة من أسوأ مراحل تاريخها، انكفاء على الذات، انكسارات متتالية، تمزق في وحدة النسيج الاجتماعي للشعوب، بعضها يعيش تناقضات تناحرية، صراعات دامية تهدد بتقسيم البلد الواحد إلى دويلات طائفية وإثنية متحاربة، بمعنى أننا نعيش مرحلة «سايكس بيكو» جديدة من خلال صراعات بينية مستديمة، إلى جانب الصراع في البلد الواحد. وجود إمكانية فعلية لتقسيم كل من العراق وسوريا وغيرهما كاليمن وليبيا والسودان. هذا، في الوقت الذي تتنكر فيه دولة الكيان للحقوق الوطنية الفلسطينية والعربية، وترفض تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وتوغل في استيطانها وتهويدها للقدس ومصادرتها للمزيد من الأراضي، وترتكب جرائمها اليومية المبرمجة بحق شاباتنا وشبابنا، تغتال، تعتقل، تهدم البيوت، وغير ذلك من الموبقات الفاشية. لعل الأهم، أن جميع المؤتمرات الاستراتيجية التي عقدت في الكيان على مدار السنتين الأخيرتين، وصلت كلها إلى نتائج، من بينها أن «إسرائيل» لم تعش منذ عام 1948 مرحلة أمن، كما هذه المرحلة.
هذا الكلام يقوله ويدركه كل مواطن عربي من المحيط إلى الخليج، إذا ما جرى تداول بين الناس عن الوضع العربي الحالي، غير أنه لا ردود فعل رسمية وشعبية عربية، إلا ما ندر، على ما يجري تنفيذه في المدينة المقدسة، وفي المنطقة من مخططات، غير بيانات الاستنكار والشجب، التي ملّتها جماهيرنا والتي قال عنها رابين يوماً، إن مصيرها الرمي في سلة المهملات. الأكثر غرابة أننا لا نقرأ حتى عن المخططات المنشورة علانية، لتقسيم الوطن العربي إلى 52 دويلة، هذا ما خططه المفكر الصهيوني البريطاني الأصل برنارد لويس، والمسمى باسمه.
لقد أفاد لويس الدوائر الغربية بتفصيلات تشريح وتقسيم الدول العربية، حيث وصفه الصهيوني مساعد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق بول ولفوويتز قائلاً: «لقد تمكن لويس في شكل باهر، من وضع علاقات وقضايا الشرق الأوسط في سياقها الأوسع، وبفكر موضوعي وأصيل ومستقل دوماً. لقد علّمنا برنارد كيف نفهم التاريخ المعقد والمهم للشرق الأوسط، وكيف نستعمله لتحديد خطوتنا التالية لبناء عالم أفضل لأجيال عديدة». لقد كتب كثيرون عن مخططه، أخيرهم ولن يكون آخرهم، الكاتب الصحفي البريطاني المهتم بالصراع الفلسطيني العربي الصهيوني جوناثان كوك في كتابه («إسرائيل» وصدام الحضارات). يورد الكاتب المخطط الصهيوني لتفتيت الوطن العربي فيقول نقلاً عن أحد القادة الصهاينة: «إن تفتيت مصر والعراق إلى دويلات عرقية ودينية، هو الهدف الاستراتيجي البعيد «لإسرائيل»، أما إضعاف هذه الدول عسكرياً فهو هدفها القريب».
على صعيد الساحة الفلسطينية، الوضع ليس أفضل حالاً للأسف، فمن جهة، ما زالت السلطة تتمسك بنهج المفاوضات كخيار وحيد لنيل الحقوق الوطنية، رغم تأكيد قادة العدو، بأن لا دولة ثانية ستقام بين النهر والبحر غير «إسرائيل»، كما أن الكيان يقترح شروطاً جديدة للتفاوض مع الفلسطينيين، كالاعتراف بيهودية دولته، وإجراء مفاوضات من دون شروط مسبقة. من جانب ثان، فإن حركة حماس، التي أصدرت وثيقتها الجديدة، اقتربت عملياً من مواقف السلطة الفلسطينية في الصراع مع العدو! كأنها تعيش هدنة طويلة مع العدو الصهيوني، وتمارس قمعاً في القطاع على كل من يمارس مقاومة العدو. «حماس» قريبة إلى نهج الإخوان المسلمين وبرنامجهم وتصوراتهم بالنسبة للكيان الصهيوني.
لقد منع الكيان، كل الرجال الفلسطينيين دون سنّ الخمسين، من الدخول إلى المدينة المقدسة. رغم كل وسائلهم الفاشية، أصرّ شعبنا على عدم المرور من البوابات الإلكترونية، التي وضعوها على بوابات الأقصى، بعد العملية البطولية في باحاته قبل أسبوع. صلّى الحاضرون الجمعة الماضية، عند الأبواب. إنهم بالفعل منعوا الفلسطينيين من الصلاة في الأقصى. قبل يومين فقط صوّت ال«كنيست» الصهيوني على عدم الانسحاب من أي جزء من القدس إلا بأغلبية ثلثي أعضاء ال«كنيست»، ومن ثم إجراء استفتاء «شعبي» على الخطوة، أهؤلاء سيوافقون على إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967؟ لا توهموا أنفسكم بهذا السراب! صراعنا مع هؤلاء صراع وجود، إما نحن أو هم، التاريخ والعدالة والحق والدين، يقولون بأننا المنتصرون في النهاية، ولكن شريطة أن نعدّ للصراع عدّته، وسننتصر.
نعيش مرحلة «سايكس بيكو» جديدة من خلال صراعات بينية مستديمة


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 21 / 2287654

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 11

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010