] القدس .. حرك قلبك - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الأحد 23 تموز (يوليو) 2017

القدس .. حرك قلبك

غازي الذيبة
الأحد 23 تموز (يوليو) 2017

لا، لا تبدو الصورة ممتثلة للحقيقة التي ينام عليها الأمل. ثمة أمل، أمل يلمع في حدقات الأطفال، نحن حدقاتنا باهتة، لا يلمع فيها سوى اليأس. لكن هناك، حيث المأوى الوحيد للحكاية، حين تمر من أبو ديس إلى معاطف التلال المحيطة بالقدس، حين تقف أمام مدخل القدس من بيت لحم، لتشاهد كم صرت مختلفا، ستلمس بالضبط المكانة التي صنعها الحلم لمدينة تكبرك بآلاف الأعوام، وتنقي رئتيك بهواء لم تسمع بمثله من قبل، ولن تسمع بمثله من بعد.
ثمة طريق طويلة وشاقة، يمكن أن تراها من وراء حجارة البيوت الحزينة، وأنت تستنشق هواء معتقا بفضائل الجمال وخلاصة الروح التي لا ترى إلا من وراء أفق، لا يراه سوى المطهرين.
ثمة في الأفق، بقع سوداء، تسير بلحى تتدلى من أطراف الرأس، لحى تعتقد انها كائنات الله المختارة، لكن الله لا يختار قتلة ليمثلوه على وجه الأرض، لحى عدوة تسكن في خرافتها المهينة، وتمشي بهدوء وهناءة واطمئنان، لحى لا تراها إلا في أفلام الرعب والموت، تسير متبخترة في شوارع مدينة، نقف دوما لكي نراها مختلفة عما هي في الصور، وعما هي في التواريخ المزيفة.
لأنك تأخرت كثيرا عن التقدم إلى البوابة التي يحتمي بها قلب الطهارة في عالمنا النجس، وتأخرت لأنك ما تزال تصنع فكرتك عن الحرية، وتأخرت لأنك ملتبس في فهم الفكرة المنقاة من الزوان، ولأنك تأخرت جدا عن فكرة اسمها القدس، وستظل متأخرا، ما دمت لا تحتفي بالحياة، وما دمت تعلق أجراسها ومآذنها كأيقونة لتبدو متيما بها، وانت جالس في مقعدك البارد، متجها الى عالم مسكون بالاشباح والأوهام والاعتقاد بأنك تفعل شيئا للقدس.
أي شيء هذا الذي تسترخي في منجزه الباهت تماما كحدقتيك؟ ماذا تفعل الليلة؟ وأي مقهى سيناسبك ورفقتك لتنفخ فيه هواء سجائرك الملوث؟
اسكت، أو حرك قلبك، ثمة قلب صغير في صدرك لو استخدمته لتغيرت الفكرة كلها، حين تحتفي بالقدس، وحين تقف الى جانبها، وانت تتنفس هواء مفعما بالحرية، ستمضي حينها منتصرا كدليل الى الحقيقة.
نعم؛ عليك أن تدرك بان الأقصى محتل، وأن البكاء على ما يجري فيه، أمر يكثف الصور المريبة للمعنى، إذ كيف ننظر له فقط على أنه هو الأسير، ولا ننظر لاشجار الزيتون في جواره على انها أسيرة، اي منطق يعمي بصيرة الفكرة عن أن ترى كل شيء في القدس محتلا.
ثمة كنائس وأزقة وشوارع وأحلام وتراب ومعابد وقباب، وأنفاس ودناديش.. ثمة قلوب هناك احتلت أيها الليل، وأنت تبكي، اسكت لا تبكِ، اذهب وكسر قيدك قبل ان تقول انك لا تستطيع فعل شيء، القدس كلها هناك، كل ذرة في روحها هناك تحت الليل، مشغولة برصاص العدو، وأنت تندب. اسكت، القدس لا تريد من يندب عليها، تريد احرارا فقط يعلقون ارواحهم على اجنحة الضوء، وينعتقون من خوفهم وجبنهم وجهلهم وتمترسهم وراء اوهامهم الكافرة.
مهين هذا التخبط في العواطف جهة بوابة الله، تلك التي تتراسل مع الضوء الأسمى في العلا، كأننا نستميحها بدموعنا وبكائنا العذر، لكي تغفر لنا هواننا وذلنا. طريق الجلجلة التي اخترعناها لكي نندب ما يحدث في القدس، هي طريق بلهاء، لا تستطيع ان تنهض على أقدام مقطوعة، ولا أن تسير بعكاكيز عمياء، طريق القدس لا تعبد الا بقلب ينبض بالحرية والنور، قلب يهشم الاغلال التي وضعته فيها رياح الليل والاستبداد، فلن تتحرر القدس بالعبيد.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2287654

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

42 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 41

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010