ماذا يخطط أوباما في الشأن الفلسطيني؟

بقلم: احمد جميل عزم

الجمعة 11 آذار (مارس) 2016

يدور الحديث في الصحافة الأميركية عن مبادرة للرئيس باراك أوباما، في الشأن الفلسطيني الإسرائيلي. وبالتدقيق في الأنباء، فإنّ المطروح هو في جوهره إعلان مبادئ أو أفكار للقضية الفلسطينية، قد تكون على شكل خطاب رئاسي، أو قرار في الأمم المتحدة. وإذا كان ذهاب أوباما لمجلس الأمن ينطوي على تغير نسبي في الموقف الأميركي، فإنه في الجوهر لا يبدو هناك أي شيء عملي في هذه الخطوة، بل إنّها قد تكون لضرب الفكرة الفرنسية لعقد مؤتمر سلام.
وسط الأنباء عن الخطوة الأميركية المحتملة، رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هذا الأسبوع، دعوة للقاء أوباما، يوم 18 من هذا الشهر. وإحدى الذرائع المسربة، كما أشارت صحيفة “نيويورك تايمز”، لرفض نتنياهو، تتمثل في عدم التدخل في الانتخابات الأميركية. وهذا سبب فيه قدر من السخرية من الرئيس الأميركي، لأنّ نتنياهو زار الولايات المتحدة في خضم حملته الانتخابية للعودة لرئاسة الحكومة الإسرائيلية، وألقى خطابا في الكونغرس تحدى فيه سياسة أوباما بشأن إيران. وربما هناك سببان رئيسان لسلوك نتنياهو، يضافان إلى عنجهيته وشعوره بالاستعلاء على أوباما. أولهما، ممارسته نوعا من الضغوط على الإدارة الأميركية بشأن توقيع اتفاق الدعم الأميركي العسكري للإسرائيليين في الأعوام العشرة المقبلة، وانتزاع مساعدات أكبر. فهذا الاتفاق بات قضية خلافية بين الطرفين في الأشهر الأخيرة، بمطالبة نتنياهو بمساعدات أكبر مما توافق عليه إدارة أوباما. والسبب الثاني، هو الهرب من الأنباء التي تتحدث عن مبادرة أوباما المذكورة.
ما هو مطروح عملياً، بحسب الصحافة الأميركية، هو إما بيان رئاسي أميركي يحدد معالم الحل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أو قرار من مجلس الأمن في الأمم المتحدة للغرض ذاته. وبطبيعة الحال، لا يوجد في الأنباء أي شيء يذكر عن تصور عملي لتنفيذ هذا الحل. وعمليا، فإن المطروح هو مجرد تذكير بفكرة حل الدولتين، وبمواقف أميركية سبق إعلانها من إدارات سابقة. وبحسب تعليقات محللين إسرائيليين بارزين، وأصدقاء مقربين للإسرائيليين من أمثال مارتن إنديك، لا يعدو الأمر كونه بيانا أو قرارا آخر يضاف إلى بيانات وقرارات قديمة، أو كما يقول إيهود يعاري، المحلل الإسرائيلي المعروف “مجرد قرار مجلس أمن آخر”.
بطبيعة الحال، فإنّ مجرد إصدار قرار من مجلس الأمن بالشأن الفلسطيني، بمبادرة أميركية، هو أمر فيه تغير نسبي في الموقف الأميركي؛ إذ أصرت واشنطن، على مدى عقود من الزمن، على منع وتقليص بحث مجلس الأمن للشأن الفلسطيني، والإصرار على المفاوضات الثنائية الإسرائيلية الفلسطينية كإطار لبحث التسوية السياسية. لكن مع عدم وجود أي محتوى عملي لفرض القرار، يصبح المعنى العملي لهذه الخطوة محدودا للغاية.
لا يريد أوباما ووزير خارجيته جون كيري الخروج من البيت الأبيض وعملية السلام في الشرق الأوسط في أسوأ حالاتها، بعد أن وعدا بإنجازات كبرى في هذه العملية، وبعد استثمارهما جهدا كبيراً فيها، لذا قد يعلنان وثيقة تنشيطية لهذه العملية.
على أنّ اتجاه أوباما في هذا المسار قد يتضمن أيضاً نوعا من الهروب والالتفاف على فكرة مؤتمر السلام الذي تدعو إليه فرنسا، أو الصيغ التي تدعو إليها القيادة الفلسطينية لإيجاد مجموعة اتصال دولية لمتابعة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وتقديم بديل. وبالتالي، بقدر ما قد يشكل قرار أممي برعاية أميركية تطورا جديدا نسبيا، بقدر ما قد يشكل الأمر هروبا من جهد دولي آخر للشأن الفلسطيني.
أحد السيناريوهات أن يكون إعلان البيان الرئاسي أو القرار الأممي في نهاية هذا العام، بعد الانتخابات الرئاسية، وذلك حتى لا تؤثر هذه الجهود على فرص المرشحة الديمقراطية للرئاسة هيلاري كلينتون، التي قد تتدخل بدورها لئلا يذهب أوباما بعيداً في أي تصرف يضعف فرصها في الفوز. وبالتالي، هناك إضاعة إضافية للوقت بينما يستمر الاحتلال والاستيطان الإسرائيليان.
ما هو مطروح حتى الآن أميركيا، وحتى فرنسيا، وفلسطينيا أيضاً، لا يتضمن أي شيء عملي للتسوية. وهو مراوحة في المكان بإعلان مبادئ باتت معروفة ومقبولة دوليا (وليس إسرائيليا) للتسوية. وهو في أحسن أحواله إطلاق مفاوضات جديدة، من دون أن يلوح أي تغير يجعل من الممكن التفاؤل أنها مفاوضات مختلفة، وليست عبثية كما كان الأمر سابقاً.