] نحن وأمريكا وتصحيح المسار - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الخميس 25 أيار (مايو) 2017

نحن وأمريكا وتصحيح المسار

كمال بالهادي
الخميس 25 أيار (مايو) 2017

بالرّغم من أن باراك أوباما، هو صاحب نظرية «نعم نستطيع التّغيير»، التي كان لها مفعول سحري في قلوب الشباب الأمريكي، وجعلته يحصل على ثقته في مناسبتين انتخابيتين، إلاّ أنّ التّغيير الحقيقي، يأتي من إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب، الذي جاء إلى البيت الأبيض، بشعار «أمريكا أوّلاً» الذي تلازمه مقولة «لنعِد لأمريكا قوّتها». في واقع الأمر، شُنّت على الرئيس الأمريكي، حملات إعلامية قويّة، ووصف بالشعبوي، ولم تترك وسائل الإعلام الأمريكية، وصفاً، أو نعتاً، سلبياً لم تستعمله في وصف ترامب، ولكنّ يبدو أن الأيام تثبت أن الرجل الذي استطاع الصمود أمام الترسانة الإعلامية التي قصفته بكلّ أنواع «الرصاص الإعلامي»، هو الآن في مرحلة القوة الفعلية والعملية التي تجعله يخرج من البيت الأبيض، ويتوجه للكشف عن استراتيجيته الخارجية التي سيدير بها الملفات الدولية.
زار ترامب المملكة العربية السعودية في أوّل زيارة خارجية يقوم بها منذ توليه السلطة في يناير/كانون الثاني الماضي. وفي هذه الخطوة التي تحمل طابعاً عربياً وإقليمياً، أكثر منها زيارة دولة، تكشف بوضوح أن الرئيس الأمريكي الجديد، قد افتتح رسمياً حرب «فرض إعادة التوازن»، وبقوة ومن دون تأخير أيضاً.
سيقول الكثيرون إن الولايات المتحدة تأتي إلى الشرق الأوسط لتدافع عن مصالحها، ولتحفظ أمن «إسرائيل»، ولا تأتي من أجل حماية المصالح العربية. وقد يقول الكثيرون إن أمريكا هي سبب المصائب التي يعيشها العرب منذ نكبة العام 1948، ومثل هذه الأقوال صحيحة، ولا يمكن أن يختلف فيها عاقلان. ولكن السياسة مصالح، وليست عواطف، والبراغماتية السياسية تفرض التوجه نحو القوى العظمى من أجل إيجاد قواسم مشتركة معها، سياسياً واقتصادياً.
نحن ظللنا طوال ستة عقود نلعن أمريكا، ولا نستفيد منها، ونعتبرها عدواً دائماً، في حين أن اليابان التي قصفتها الولايات المتحدة بقنبلتين نوويتين، صارت أحد أكثر حلفاء الولايات المتحدة قوة وتأثيراً على المستوى الدولي. في واقع الأمر، العداء اللفظي للولايات المتحدة لم ينفع في الماضي، ولن ينفع مستقبلاً، ولذلك فإن هذه القمم التي انعقدت في الرياض يمكن أن تكون فاتحة مرحلة جديدة من العلاقات بين العرب وأمريكا، مرحلة عقلانية سياسية، يستفيد فيها الجميع، حتى إن كانت هناك قضايا خلافية، مثل القضية الفلسطينية التي تظل القضية العربية الأولى والأهم في نظرنا.

العرب هم أصحاب الأرض، وهم أصحاب الموقع الاستراتيجي، وهم أصحاب الثروات الطائلة، طبيعياً وبشرياً أيضاً. ولذلك يأتي إليهم العالم، وتتداعى إليهم القوى الدولية رغبة، في التعاون، ورغبة في التفاهم. وترامب باعتباره رئيس القوة العظمى في العالم، يسارع إلى منطقتنا، دفاعاً عن مصلح بلاده التي يراها مهددة من الحضور الروسي في شرق المتوسط، ويراها مهددة من الحضور الصيني الذي يسعى إلى إحياء الأمجاد عبر مشروع طريق الحرير الجديد، الذي احتضنت الصين منذ نحو أسبوع أولى ندواته الدولية التي شارك فيها زعماء 65 دولة، وأعلنت بكين عن ضخها 125 مليار دولار لتنفيذ المشروع.
القمة العربية الأمريكية مهمة جداً، لأنها تأتي في وقت شديد الحساسية، فالولايات المتحدة الراغبة في العودة بقوة إلى الساحة الدولية، تحتاج إلى أن يكون حلفاؤها العرب في موقع قوة واستقرار، وهذا سيترتب عليه حلّ القضايا الخلافية من أجل إعادة الاستقرار إلى المنطقة، والأهم من ذلك لجم كل طرف يريد أن يهدد أمنها.
ترامب كانت له مواقف معادية للمسلمين وللعرب، وهذا لا يخفى على أحد، ولكن الرجل بعد زيارته إلى المنطقة، سيخرج بمواقف جديدة، وأكثر جدية في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط. الحوار المباشر بين العرب والمسلمين وترامب، سيزيل الكثير من سوء التفاهم، وسيطرح الإشكاليات على حقيقتها. ولذلك سنرى مواقف أكثر وضوحاً من الإدارة الأمريكية خلال الفترة القادمة. وهذا هو المهم. وهذه هي البراغماتية السياسية. ولكن لا يجب على العرب أن يضعوا بيضهم في سلة واحدة، فعليهم هذه المرة أن يحسنوا المناورة، وأن يستغلوا التناقضات والتقاطعات في المصالح مع القوى العظمى، حتى يستفيدوا منها، وحتى يكون لهم القرار المؤثر مستقبلاً.
إنّ قمة صينية عربية، وقمة روسية عربية، وقمة أوروبية عربية، هي خطوات لا بد منهما في القريب العاجل، لأن الساحة السياسية الدولية متقلبة، والعلاقات بين تلك القوى متغيرة، بحسب حركة كل طرف، وبحسب مدى تأثيره أيضاً. وهذا يتطلب من العرب ترتيب البيت الداخلي في أقرب الأوقات، والاتفاق على أجندة مصالحات عربية. هي خطوة لابدّ منها، حتى يقدر العرب على فرض حضورهم في السياق الدولي، وحتى تكون لهم كلمتهم بين الأمم.
أكثر من ستة عقود من الإدانة والشجب، والصراخ والعويل تحت يافطة «الموت لأمريكا»، ولكن هل تغير شيء؟ وربما كانت القمة العربية الإسلامية الأمريكية، التي احتضنتها الرّياض، منذ أيام، هي نقطة تصحيح المسار.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 31 / 2287654

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

51 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 52

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010