] نبش التاريخ للتحقير وليس للتنقيح - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الثلاثاء 23 أيار (مايو) 2017

نبش التاريخ للتحقير وليس للتنقيح

حافظ البرغوثي
الثلاثاء 23 أيار (مايو) 2017

أحاول كتابة رواية عن القدس منذ سنوات لوجود فراغ ثقافي في التعاطي مع المدينة، وأتردد على المدينة كلما سنحت الفرصة لاستعادة خريطة طرقها، وأزقتها، مثلما عرفناها في الانتفاضة الأولى، حيث كنا مرابطين فيها، وكانت عاصمتنا الثورية في الانتفاضة الأولى، ومقراً لكل المؤسسات والنقابات الفلسطينية. فالكتابة عن المدينة لا بد أن تشمل الفترة الصلاحية، أي صلاح الدين الأيوبي، وقد لفت نظري في كتاب يوميات القاضي الفاضل العسقلاني الذي عمل مع صلاح الدين في القاهرة عندما تولى الوزارة هناك، أنه توجه إلى السلطان حيث يقيم في القدس في إحدى فترات الاستراحة بين معركة وأخرى ضد الصليبيين، فوجده في زمهرير الشتاء يعيش في غرفتين عاديتين، ويتوضأ بماء بارد من دون حراسة، أو خدم، فأشفق عليه لتواضعه، وتقشفه. كان القاضي الفاضل الذراع اليمنى لصلاح الدين في مصر، حيث هاجر إلى الاسكندرية، وأشرف على إنشاء جيش لصلاح الدين للتوجه إلى الشام لاستئصال الفرنجة.
كنت أبحث عن الغرفتين اللتين عاش فيهما صلاح الدين لأمر يختص بالرواية، ولم أفلح رغم مرافقة زميلين من أهل القدس لي، والجميع يؤكد انهما قرب المدرسة الصلاحية التي ما زال مقرها قائماً، لكن لا أثر للغرفتين، فتوجهت إلى المسجد الصلاحي الكائن خلف كنيسة القيامة، وكانت هناك طفلة ترتدي رداء للصلاة يغطيها بالكامل تقف على البوابة الخارجية، تطوعت لمرافقتنا إلى المسجد عبر سلم، وكان المسجد خالياً، وقبالته بيوت مأهولة، فسألتها عن غرفة صلاح الدين فأومأت برأسها إلى سلم في وسط المسجد، فهبطت السلم لأجد نفسي داخل غرفتين ضيقتين أسفل المسجد، هما بيت متواضع لصلاح الدين.
كان الرجل متواضعاً، تقياً مثل مستشاره القاضي الفاضل الذي كان يعتقد أن الإسلام يجمع ولا يفرق. استذكرت هذه المقدمة وأنا اقرأ ليوسف زيدان افتراءه على الناصر صلاح الدين الذي ينعكس على القاضي العسقلاني أيضاً، لأنه هو من تولى إعادة مصر إلى مذهب أهل السنة، وأطاح الحكم الفاطمي. وسبق لزيدان أن نفى وجود المسجد الأقصى في القدس، بل في الحجاز قرب الطائف، وانضم إليه كاتب سوري في هذا الزعم، وهو نبيل فياض، الذي ادعى أن المسجد الأقصى يقع في الجعرانة على بعد 18 ميلاً شرقي مكة نحو الطائف، مع أن يوسف زيدان كتب بنفسه قبل ذلك عن الإشارات القرآنية إلى القدس، حيث كتب في مقال نشره زيدان قبل عام 2014، قائلاً: «ونعود للقرآن الكريم، فنجد للقدس إشارات لا تحصى. يقول المفسرون عن قوله تعالى (ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين)، هي بيت المقدس. وقوله تعالى (وواعدناكم جانب الطور الأيمن)، أي بيت المقدس. وقوله تعالى (وجعلنا ابن مريم وأمه آيتين وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين)، يعني بيت المقدس. وقوله (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) في بيت المقدس. ولا تنتهي الإشارات القرآنية، فضلاً عن الأحاديث النبوية التي استفاضت في فضل بيت المقدس».
مشكلة زيدان، وفياض، ومن لفّ لفهما من كتاب ونقاد، هي حب الشهرة، لأن قطع مسافة 18 ميلاً من مكة ذهاباً وإياباً لا تحتاج إلى يوم، أو ليلة، فكيف يكون الإسراء معجزة لولا بعد المسافة. ولست هنا لأثبت صحة الإسراء والمعراج لأن هذا أمر مفروغ منه، لكن المسجد الأقصى موجود قبل بناء قبة الصخرة المشرفة، لأنه ثاني بيت لله، بعد الكعبة. وكان اليبوسيون وغيرهم يتعبدون فيه، ولاحقاً اليهود، حتى جاء المسيح عليه السلام وطرد الكهنة اليهود الذين حولوا المكان إلى مكان للصيارفة، ومهجعاً للعاهرات. فكيف يسمى الأقصى، أي الأبعد، وهو قرب مكة؟
المصادر الغربية التي أرخت للحقبة الصليبية أكدت وجود اتصالات بين الصليبيين والفاطميين، بمبادرة من الحاكم الفاطمي الذي اقترح تقاسم بلاد الشام، وهزيمة السلاجقة الترك، لكن الصليبيين وإن رضوا بذلك ظاهراً، كانوا يريدون كل المشرق العربي.
ولعل القارئ يكتشف ما كتبه القاضي الفاضل، وعدد من المؤرخين الأوروبيين، عن صلاح الدين أنه رجل تقي، غير عنيف متواضع. بقي أن نعرف أن القاضي الفاضل مات كمداً بعد صلاح الدين، وهو يرى أبناءه يتقاسمون البلاد والمدن، ويضعفون حتى التلاشي.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2323729

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 23

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28